نجاح أي مشروع أو برنامج يستلزم الأخذ بمقوماته وأدواته وآليته ومتطلباته، وتختلف تلك الأدوات والمقومات تبعا لاختلاف مشروعك أو فكرتك التي تقصدها، وحتى تجني الثمن المضاعف فوق النجاح العادي؛ عليك أن تُحسن الاستثمار في مكونات الفكرة أو المشروع، وبمضمونه المختلف، سواء أكان ذلك المضمون ماديا أم بشريا أم كليهما معا.

ولذلك فمن البديهي عند اتخاذك أي قرار أو فكرة لتتحول إلى مشروع ناجح سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي، أن تأخذ بالأساسيات الأولية لتنفيذ المشروع سعيا وراء نجاحه، وإلا فإن مشروعك نصيبه الفشل منذ بدايته، ولا يكفي هنا أن تأخذ شيئا من الأولويات والأساسيات، وتختزل بعضها لأي سبب كان، وإلا كانت النتيجة دون الطموح في أحسن تقدير، هذا إذا لم يكن الفشل حليفها المتوقع علميا ومنطقيا، وهنا النقطة الحاسمة ومربط الفرس، بين مشاريع أو برامج تنجح في دول أو من قبل أفراد؛ وتفشل في أخرى.

ولكي تتضح الصورة نحتاج لأمثلة؛ ولكن قبل ذلك لا بد أن نشير إلى أحد الأطراف المهمة في المعادلة، وهو القطاع الخاص، إذ يعد هذا القطاع الركن الأساسي في عجلة الإنتاج في جميع دول العالم المتقدمة، والنامية الآخذة في التقدم، لأنه هو من يدعم قاعدة الاقتصاد الوطني ويحقق لها النماء.

ولما كانت الصحة أثمن ما يملكه الإنسان، ومعيارا مهما تستند إليه المؤسسات الدولية في تقييم مستوى التنمية البشرية للدول، من خلال مؤشرات صحية معينة ترتبط بالخدمات والرعاية الصحية للفرد، فإن مشروع تخصيص القطاع الصحي -أو بالأحرى تحويل المستشفيات العامة إلى خاصة- يستحق الاهتمام؛ واستكمالا لما تم توضيحه بداية فإن مردود التخصيص انتعاش اقتصادي واستثمار للموارد البشرية المتاحة، وتقديم خدمات مهمة من الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض والعلاج على اختلاف مستوياته، باعتبار ذلك أحد أهم أولويات التنمية البشرية المستهدفة ليس عندنا فقط، بل في جميع دول العالم الذي يحتل درجة متقدمة في سلم التنمية البشرية بمعاييرها الدولية؛ وعليه فإن تخصيص القطاع الصحي يتطلب أولويات بديهية وآليات لتنفيذه، بل تشريعات وتنظيمات تحكمه وتتابعه؛ حتى لا يكون مشروعا استثماريا لأصحاب رؤوس الأموال يتنافسون فيه على حساب المواطن أو المستهلك بصفة عامة، ليستقطع منه مزيدا من النفقات والتكاليف التي ما زال يعاني منها، وحتى لا يكون المشروع برنامج تبادل منافع ما بين القطاعين الخاص والعام على مستوى الأفراد والمسؤولين في تنفيذ المشاريع وإرسائها ومتابعتها وتقييمها، وحتى لا ينحدر مستوى الأداء والخدمة. وكي نحافظ على مستوى صحي لائق بالمواطنين أفضل من الحالي، فإنه لا بد من الأخذ بالأسباب الآتية:

-1 توفير التأمين الصحي لكل مواطن وأسرته، بما في ذلك الأدوية والعلاج لجميع الحالات.

-2 توفير الدعم الرسمي للمنشآت الصحية باختلاف أحجامها ومواطنها دون تمييز ومحاباة، وذلك من خلال توجيه الصناديق السيادية، وصناديق التنمية البشرية، والتنمية الصناعية والتجارية والبنوك، في تيسير منح القروض وبفوائد محدودة وبآجال طويلة الأمد؛ بما يتيح مجال المنافسة الشريفة في المجال الصحي لخدمة المستهلك "المواطن".

-3 تحديد حد أدنى من معايير الجودة والمتطلبات لتلك المشروعات، وذلك يشمل المنشأة، الهيكل الإداري، الكادر الطبي؛ الخدمات بأنواعها... الخ.

-4 استحداث لوائح تنظيمية جديدة خاصة بالنظام الصحي الجديد في وزارة الصحة، وذلك يتطلب تغييرا مؤسسيا يتناسب مع المعايير والمتطلبات المأمولة من الخصخصة.

-5 وجود لجان متابعة حيادية من خارج وزارة الصحة، يكون أعضاؤها من المتخصصين في المجالات المختلفة المرتبطة بالتقييم في الجودة؛ بالإضافة إلى شرائح مختلفة ممن يمثلون المجتمع المدني.

-6 تأسيس لجنة خاصة "بالشؤون الصحية" لمكافحة الفساد والمتابعة؛ لمدى مطابقة المنشآت معايير الجودة في جميع المتطلبات؛ مع الأخذ في الاعتبار الاهتمام بتقصي المحسوبيات وتبادل المنافع وتمرير المشاريع والتقييم الزائف ما بين القطاع العام والخاص.

-7 حوكمة ومساءلة وعقاب كل من يخل بتلك اللوائح، وينحرف عن معاييرها، ويتضمن ذلك مختلف أنواع المساءلة والعقاب، سواء أكان ماديا أو إداريا ومستوى الدعم أو غيره، ويشمل ذلك المسؤولين في القطاعين العام والخاص باعتبارهما شريكين في العملية وإنجازاتها.

-8 وجود وسائل مختلفة للتواصل مع جمهور الناس والمواطنين عامة، وبشفافية عالية لرصد مستوى الرضا عن الخدمات الصحية في مجملها.

وبذلك فإن خصخصة المستشفيات ستنجح بالتأكيد، وسيكون إنجازا كبيرا يحسب للدولة في المجال الصحي ومفهوم الرعاية الصحية.