لا شك أن أمن الخليج العربي يجب أن يظل بيد أبنائه في الدرجة الأولى، ولكن انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية يتيح فرصة لتأكيد هذا المبدأ، وإعادة تقييم المسلمات الأخرى للأمن الإقليمي والسياسة الإقليمية.

فإلى حين يستكمل الرئيس المنتخب تعيين أعضاء فريقه السياسي والأمني، ويتسلم منصبه في 20 يناير 2017، وإلى أن تتضح تفاصيل سياسة الولايات المتحدة في عهده، فإن من المهم أن نقوم نحن المعنيين بالدرجة الأولى بأمن هذه المنطقة بتحديد ما نريده من الإدارة الجديدة في سبيل تنفيذ الشراكة الإستراتيجية بين مجلس التعاون والولايات المتحدة التي تم تدشينها في قمة كامب ديفيد (مايو 2015)، وأكّدتها قمة الرياض (أبريل 2016).

وهذا يتطلب منا مراجعة التحديات العسكرية والأمنية التي تواجهها المنطقة، وتحديد آليات التعامل معها. وقد كانت رؤية خادم الحرمين الشريفين التي اعتمدها قادة مجلس التعاون في قمة الرياض في ديسمبر 2015 سباقة في ذلك، فاستهدفت تسريع خطوات التكامل العسكري بين دول المجلس، وتوحيد العقيدة القتالية، وتعزيز التصنيع الحربي في دول المجلس، والخزن الإستراتيجي. ولتحقيق هذه الأهداف ودعم قدرة دول المجلس على حماية أراضيها وشعوبها من أي تهديد خارجي، دعت رؤية خادم الحرمين إلى استكمال خطوات تشكيل القيادة العسكرية الموحدة التي أقرت في قمة البحرين (ديسمبر 2012) وقمة الكويت (ديسمبر 2013)، واستكمال وضع الآليات اللازمة لتعزيز الحماية ضد الحروب الإلكترونية والصواريخ الباليستية. وبالمثل في مجال الأمن الداخلي، استهدفت رؤية خادم الحرمين الشريفين تعزيز خطوات التكامل الأمني بين دول المجلس، باستكمال الخطوات  اللازمة لتعزيز قدرتها على حماية مواطنيها من مخاطر الإرهاب والجريمة والمخدرات، وسائر التهديدات الأمنية، واستكمال إنشاء الشرطة الخليجية، وبقية المنظومات الأمنية الأخرى وتكليفها بتنسيق وتكامل جهود مكافحة الإرهاب والتجسس والتهريب والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة، والتعاون في مجالات التدريب والتجهيز وتبادل المعلومات الحيوية، وتحصين المجتمعات الخليجية من مخاطر الإرهاب، وحماية أمن المعلومات.

وبعبارات أخرى فإن أمن المنطقة يواجه تحديين رئيسيين، التحدي العسكري وتحدي الإرهاب. والتحدي العسكري يشمل التهديدات التقليدية في الجو والبحر والبرّ، كما يشمل التهديدات الصاروخية وأسلحة الدمار الشامل. أما الإرهاب فيشمل تنظيمي داعش والقاعدة، كما يشمل الميليشيات والتنظيمات الطائفية.

وتشكل إيران مصدراً رئيسياً لهذه الأخطار، بشكل مباشر أو غير مباشر، كمصدر للتهديد بأسلحة الدمار الشامل، على الرغم من الاتفاق النووي مع الدول الست الكُبرى. أما البرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية فيشكل تهديداً مباشراً هذه الأيام من خلال ميليشيات الحوثي وصالح التي تستخدم الصواريخ إيرانية الصنع. ويشكل البرنامج النووي الإيراني تهديداً بيئياً بالإضافة إلى تهديده العسكري، والتهديد البيئي قائم بصرف النظر عما إذا كان البرنامج النووي الإيراني سلمياً أو عسكرياً.

وفي مجال الإرهاب، يقوم الحرس الثوري الإيراني بدعم حزب الله عسكرياً ومالياً وسياسياً، وبالمثل يدعم تنظيمات إرهابية طائفية أخرى في العراق وسورية، ويجند لها البسطاء من الدول العربية والإسلامية، الذين تتم أدلجتهم وتدريبهم في إيران على الأعمال الإرهابية. ويقوم الحرس أيضاً بتدريب الإرهابيين وتمويلهم وتهريب الأسلحة بهدف زعزعة أمن واستقرار دول مجلس التعاون. فالهجمات على رجال الأمن والمدنيين الآمنين في البحرين والمملكة العربية السعودية وغيرهما يتم التخطيط لها في إيران، ويتم تنفيذها بتدريب إيراني مباشر أو غير مباشر.

وخلال العقود الثلاثة الماضية، منذ تأسيس مجلس التعاون في عام 1981، اتخذت دول المجلس خطوات رئيسة لتعزيز أمنها واستقرارها، ففي ذلك العام بدأت اجتماعات القادة العسكريين والأمنيين واستمرت إلى يومنا هذا. وكان من نتائجها، على سبيل المثال، ما يلي:

- تأسيس "درع الجزيرة" كقوة برية في عام 1982، الذي شارك في حرب تحرير الكويت عام 1991، وتم دعمه لاحقاً بقوات دعم جوية وبحرية، وبإمكانيات التدخل السريع.

- تأسيس شبكة الاتصالات المؤمنة، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2000، التي تربط قوات دول المجلس من خلال شبكة مؤمنة تمكنها من تبادل المعلومات وتنسيق العمليات بشكل فعال.

- تأسيس نظام حزام التعاون، الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2001، الذي يمكن القوات الجوية من التنسيق بينها بشكل متكامل.

- تأسيس مركز تنسيق العمليات البحرية في عام 2012.

وبالمثل تم تأسيس منظومات أمنية مشتركة، من أهمها الشرطة الخليجية التي تأسست عام 2012 أيضاً.

وبالإضافة إلى المهمة الرئيسية الأولى لهذه النظم العسكرية والأمنية، وهي تكامل القوى العسكرية والأمنية في إطار مجلس التعاون، فإنه يمكن من خلالها التنسيق مع الشركاء والحلفاء الإقليميين والدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية.

ولذلك فإن مجلس التعاون يستطيع التعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة معاملة ندية راشدة، فقد نجحت النظم الأمنية التي طورها المجلس في الحفاظ على منظومة مجلس التعاون كواحة من الاستقرار والازدهار في منطقة غرقت في الفوضى والحروب والتمزق. ولهذا فإن من مصلحة الإدارة الجديدة أن تقوم بتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين مجلس التعاون والولايات المتحدة في المجالات التي تتقاطع فيها مصالحهما.