تمثل ثلاثية الصحة والسكن والتعليم أهم الاحتياجات التي تعتمد عليها حياة المجتمعات المتمدنة، وينهض عليها التخطيط الحضاري لأي دولة. فأما الاهتمام بالصحة فيكون بثلاث طرق: التوسع في بناء المستشفيات ورفع مستوى الخدمة الطبية فيها، فرض التأمين الطبي على المؤسسات الحكومية؛ المدنية والعسكرية، وتوفير صالات اللياقة البدنية للرجال والنساء بأسعار مناسبة، وتحت إشراف مباشر من وزارة الصحة والهيئة العامة للرياضة.

تلك الخطوات من شأنها أن تنهض بقطاع الصحة في بلادنا؛ ففي ظل شكوى المرضى من ضعف الخدمات الصحية، ومن تكدسهم على قوائم الانتظار في المستشفيات الحكومية زمنا طويلا، لابد من التعجيل في إنشاء مزيد من المستشفيات الحكومية، ثم الجد في مراقبة الخدمات الطبية المقدمة للمرضى وتقويمها من حين إلى آخر.

يأتي بعد ذلك فرض التأمين الصحي على المؤسسات الحكومية (أسوة بالشركات والهيئات)، وتحديد تسعيرة ثابتة للكشف والعلاج وإجراء العمليات الجراحية في المستشفيات الخاصة بشكل لا يسمح بالتلاعب، خاصة أن مراجعي تلك المستشفيات يشتكون كثيرا من ارتفاع تسعيرة العلاج فيها، ومن تباين أسعار الخدمة من مستشفى إلى آخر، مما يطلب اعتماد التسعيرة الموحدة للخدمات الطبية.

ثم تأتي أخيرا مراكز اللياقة البدنية، وهي ضرورة عصرية ملحية؛ إذ إن الجميع يعلم أهمية ممارسة الرياضة في الحد من الأمراض المزمنة التي يعد المصابون بها أكثر المراجعين للمستشفيات الحكومية. وقد تحسن هنا الاستفادة من تجارب دول أخرى مثل الفلبين في هذا الجانب؛ حيث تخصص الدولة فترة لياقة (ساعتين صباحيتين وأخريين مسائيتين) على يد مدربين رياضيين حكوميين في الحدائق والأسواق والمؤسسات الحكومية.

وعند الانتقال إلى السكن، وهو الضرورة الحياتية الثانية بعد الصحة، تكون أكثر الحلول نجاعة لتجاوز مشكلاته؛ سواء ما تعلق منها بغلاء الأراضي والوحدات السكنية، أو ما تعلق بتلاعب الملاك والمقاولين ومهندسي مشاريع التمليك، أن تتولى الدولة مهمة تأمين الوحدات السكنية بمواصفات عالية الجودة (مثلما هي الحال في دول الخليج)، ومن ثم تطرحها للتملك بأسعار تتناسب مع دخل المواطن وظروفه، ويتم استيفاء مبلغ العقار بالنقد أو التقسيط، حسب ظروف المواطن، وقد يتم التنسيق بين صندوق التنمية العقاري وصندوق معاشات التقاعد لحسم القسط من المتقاعدين. هذا الحسم من شأنه أيضا أن يعالج مشكلات الصندوق مع المقترضين القدامى، وذلك بتطبيق الاستقطاع الشهري في أسرع تنظيم.

وختاما تأتي ثالثة الأثافي، التعليم، الذي به تنهض الأمم، والحق أن تعليمنا بحاجة إلى تطوير مستمر، ليس بالصورة الحالية التي يُركز فيها على تغيير أغلفة الكتب وشعار الوزارة، بل بتطوير حقيقي ملموس يشمل المنهج والمعلم والبيئة التعليمية. فأما تطوير المناهج فيكون من خلال الاستعانة بخبرة الأكاديميين المختصين في العلوم الطبيعية والإنسانية المختلفة، بالإضافة إلى المختصين في المناهج، ثم مقارنة المنهج السعودي بالمناهج الدراسية في الدول العربية والدول المتقدمة؛ لصنع مقررات دراسية متميزة تفيد من كل تلك التجارب وتتجاوزها.

يأتي بعد ذلك تطوير المعلم الذي لا يمكن أن تحققه دورات تدريبية قصيرة يلتحق بها المعلمون أثناء العام الدراسي عادة، فيضيع الوقت ويعلّق المنهج أياما بلا طائل، إنما باعتماد الدورات الطويلة، ووضع حوافز للحاصلين عليها؛ بحيث لا تعطى مسميات تحفيزية مثل (معلم أول ومعلم خبير) إلا لمن حصلوا على شهادات تلك الدورات. ويدخل في سياق تطوير المعلمين أيضا السماح للراغبين في إكمال دراساتهم العليا وتشجيعهم وتذليل الصعوبات المتعلقة باشتراطات التفرغ، ثم يأتي لاحقا منح المعلمين الحاصلين على الدرجات العليا امتيازات وظيفية ومالية تشجعهم على البقاء في التعليم العام بعد الحصول على الدرجة.

وحين ننتقل إلى البيئة التعليمية نجد أن الحديث عن التطوير يبدأ منطقيا من السعي إلى التخلص التدريجي من ظاهرة المباني المدرسية المستأجرة، وفق خطة زمنية محددة، يأتي بعد استيفائها الحديث عن تطوير وسائط التعلم وبرامجه، وإحلال السجل المهاري للطلاب بديلا عن سجلات التحصيل العلمي التي لا تضيف إلى مادة الكتاب المقرر شيئا. ثم اعتماد الأنشطة غير الصفية والنشاط الصيفي باحتسابهما في نقاط المفاضلة في الترشيح للجامعات، بحيث لا تتوقف اشتراطات القبول عند حفظ المقررات الدراسية، وهو المعمول به حاليا من خلال امتحانات الشهادة الثانوية والامتحان التحصيلي.

ثم أخيرا يأتي النظر في أوضاع المدارس الأهلية وتقييمها من حيث الانضباط العلمي والإداري؛ إذ من المفترض، حسب ما نراه في التجارب العالمية، أن تكون المدارس الأهلية أقوى من المدارس الحكومية بما يتوفر لها من الإمكانات وبما يتحقق للطلاب من ظروف تعليمية، أهمها قلة عدد الطلاب في الفصل الواحد. لكن تجارب كثير من المدارس الأهلية عندنا تخالف المتوقع والمأمول في ظل الحرص على الكسب المادي واستقطاب الطلاب.

تلك المقترحات وغيرها مما يمكن أن يطرحه أهل الفكر والرأي من شأنها النهوض بالقطاعات الثلاثة (الصحة، السكن، والتعليم) بما يتفق مع رؤية المملكة 2030، وهو ما يطمح إليه المواطن البسيط والمسؤول الكبير كلاهما.