لطالما كانت منطقة البحرين التي تلقب في الماضي بأرض الحياة وفردوس السومريين منطلق البدايات لنهايات مثمرة ولتحقيق الرؤى. فعلى سبيل المثال عزم جيلجاميش بطل الملحمة الشهيرة على البحث عن أوتنابشتم سعيا لإيجاد زهرة الخلود في أعماق بحر منطقة دلمون القديمة التي هي البحرين في يومنا الحاضر. وبعدها شرع التجار والرحالة في البحث عن اللؤلؤ في أعماق بحارها، وكان لذلك دور كبير في رفع مستوى اقتصاد البلد في أوائل التسعينات.

وفي هذا الشهر الحافل بالأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية اجتمع القادة من مختلف دول العالم للمشاركة في القمة الخليجية السابعة والثلاثين التي انتهت بالاتفاق على الدفاع والأمن المشترك والتكتل الاقتصادي، وقد تلا ذلك حوار المنامة، حيث أبحر قادة دول العالم في مناقشة المواضيع الأمنية، مما عكس عمق علاقات دول مجلس التعاون الثنائية ومتعددة الأطراف.

اليوم، في ظل التغييرات الدولية والظروف غير المستقرة نتيجة للفترات التحولية لدول العالم، من الضروري جدا أن تصبح دول مجلس التعاون مستقلة وقوية باتحادها غير معتمدة على الدول الأخرى. إن التوطين والأقلمة من أهم المقومات لمواجهة التحديات الصاعدة. نلاحظ أن هناك تحولا ملموسا نحو التكامل والاندماج عبر الحدود والتعاون الإقليمي، ليس فقط في دول الخليج فحسب؛ بل في بعض الدول التي تتشارك في الحدود والثقافات.

فعلى سبيل المثال من خلال تعزيز تكامل شبه إقليمي استطاعت بعض الدول في شرق آسيا النهوض والتفوق في المحافل الدولية اقتصاديا، لتبنيها منهجية مدروسة وشبه إقليمية تتناسب مع مجتمعاتها وثقافاتها، بينما فشلت دول إفريقية في تحقيق ذلك، بالرغم من أنها غنية بالموارد الطبيعية والبشرية التي تؤهل دولها لمكانة تختلف جذريا عما هي عليه الآن، وأحد الأسباب في فشل إفريقيا في تحقيق التكامل الناجح قد يرجع إلى أن دول إفريقيا لم تُطبَّق استراتيجية ممنهجة تتناسب مع مجتمعاتها ومصالحها على المدى البعيد.

?فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا?، بتلاوة آيات قرآنية افتتحت الجلسة الأولى للقمة السابعة والثلاثين لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث عكست الجلسات القوة الروحية في متابعة مسيرة التعاون نحو الاتحاد الخليجي. إن مفهوم القوة هو أحد أهم العوامل الأساسية في العلاقات الدولية وفهم التفاعلات الدولية. ومع تطور الأزمان، تطور مفهوم القوة وتعددت اتجاهاته على مر التاريخ، ومن أبرز مفاهيم القوة في يومنا الحالي القوة الصلبة والقوة الناعمة والذكية. ونحن في دول الخليج العربي، بالرغم من تنوع ثقافاتنا ومجتمعاتنا، إلا أن ما يميزنا عن الشعوب الأخرى هو قوتنا الروحية التي تعكسها هويتنا الإسلامية وقربنا من الحرمين ووجود المساجد التي تعكس كل يوم تضامننا وأخوتنا وتلاحمنا. فلا بد من استغلال هذه القوة وتوظيفها لتعضيد القوى الأخرى، الصلبة والناعمة وغيرها.

إنّ توطين وأقلمة الاستراتيجيات المطبقة التي تضع في عين الاعتبار الحالة الاجتماعية والثقافية في الدول بمعناها الشامل من أهم العناصر لتحقيق النجاح التنموي. فالعزة والكرامة لشعوبنا ستزيدان بتنمية روابط الانتماء وتحقيق التضامن والتمسك بهويتنا الإسلامية والعربية والخليجية، والاعتزاز بتاريخنا وتراثنا الثقافي ووحدتنا.