كان للشيخ صلاحيات مطلقة للتدخل في كل شؤون حياتنا، صغيرها وكبيرها.

كان يتحدث في كل شيء: الطب، علم الاجتماع، الفلك، التأمين، المحافظ الاستثمارية، الأسهم، الاقتصاد، هيئتك، لبسك، هواياتك. بل إنه يتحدث حتى في تفاصيل علاقتك الزوجية! تصل إلى مرحلة تتساءل فيها: كيف استطاع الشيخ أن يسيطر علينا بهذا الشكل المخيف؟ كيف لشخص واحد أن يكون ملما بكل هذه العلوم الكثيرة والمختلفة؟ كيف أقنعني أن ألجأ إليه في كل صغيرة وكبيرة في حياتي؟ كيف أقنع هذه المرأة أن تتصل على الهواء مباشرة في برنامج إفتاء لتخبره أمام كل الناس ماذا فعل بها زوجها في نهار رمضان؟ والأهم من ذلك: كيف تقبل الناس هذا الاتصال ووجدوه أمرا عاديا؟

من يتابع برامج الإفتاء، يجد أن معظم الاتصالات تبحث عن شيء واحد فقط، وهو الغفران. نحن نبحث عن الغفران من خلال الشيخ.

هذا التجهيل الذي مورس لعقود من الزمن بدأ يتراجع. عرف الناس أن علاقتهم بربهم أسمى وأكبر من الوسطاء. لم يعد للشيخ ذلك النفوذ الاجتماعي الذي كان يتمتع به. هل نحن أمام حقبة جديدة من الوعي، أم أنها مجرد ردة فعل لسنوات من التغييب؟

أعتقد أننا الآن نمر بمرحلة مهمة لتصحيح مفهوم الإسلام وعلاقة العبد بربه. هذا التصحيح القادم من الأسفل سيكون متوافقا مع عصرنا ومتوافقا مع علاقتنا بالآخرين المختلفين. لا يخضع لسلطة رجل يدّعي أنه هو فقط من يمثل الحق، وكل من يخالفه على باطل.

من الآن وصاعدا، سيختفي ذلك الرجل الذي يتدخل في كل شؤون حياتنا وأدق تفاصيلها. هذه المرحلة قد يراها البعض كارثة مقبلة، وقد يراها آخرون مستقبلا مشرقا، ولكني لا أشك أبدا في أنها قادمة.