اشتهر"الشنفرى" بلامية العرب، "أقيموا بني أمي صدور مطيكم...فإني إلى قوم سواكم لأميل"، ولكن المفارقة الغامضة في سيرته، هي تلك النقائض والإيماءات المرتابة، وما دار ويدور حول "الشنفرى" ولاميته من بواعث الشك، وسلسلة الفجوات الصاخبة، والتشويش المربك، حول المماثلة والتطابق والتنافر بين روايات السابقين واللاحقين، في ذكر أخباره ونسبه وقبيلته وبلاده وشعره، فمنهم من قال: إنه من الحجر بن الهنؤ بن الأزد، والرأي الآخر من بني سلامان بن مفرج، وثالثها من زهران بن كعب، ولكن المؤرخ الدكتور "عمر بن غرامة العمري"، رجح نسبه إلى الحارث بن الأواس بن الحجر بن الهنؤ بن الأزد، مستشهدا بما ذكره "ابن حبيب البغدادي، والأصفهاني، والمبرد، والحموي، والسدوسي، وقال: "هو الصواب"، وهناك من شكك في اسمه فقالوا: "عمرو بن براق، وقيل: شمس بن مالك، وقال الزركلي: عمرو بن مالك الأزدي، وقال عبدالسلام هارون: ثابت بن جابر، وقال ابن رشيق: اسمه عامر بن عمرو الأزدي، وقال بطرس البستاني: اسمه ثابت بن أوس الأزدي، وقال العمري: هذا هو الأقرب للصواب بل هو الصحيح. وشككوا في لون بشرته، يقول الأصفهاني في كتابه الأغاني "كان الشنفرى أسود اللون، ولكن الرواة نفوا هذه الصفة مستشهدين بقوله: "إذا ما أروم الود بيني وبينها..يؤم بياض الوجه مني يمينها"، ردا على "لطمة" ابنة سيده، ولذا لن يرى أحد آثار اللطمة في اللون الأسود، وأما قولهم إن "أمه" سوداء سباها والده فقولهم مردود عليهم لقول الشنفرى: "أنا ابن خيار الحجر أصلا ومنصبا.. وأمي ابنة الأحرار لو تعلمينها"، وشككوا في نسبة "اللامية" إليه، وفي هذا قال المرزوقي، والخطيب، والتبريزي، هي لخلف الأحمر، وقال الجاحظ في الحيوان: "إنها لتأبط شرا"، وحول نسبه يقول الدكتور العمري، في كتابه "الشنفرى قراءة جديدة في أخباره وشعره"، ردا على مقولة ابن حزم "إن الشنفرى من سلامان بطن من زهران، فقوله مخالف للكلبي، فابن حزم والعوتبي يقصدان أن الشنفرى نشأ في سلامان حليفا لهم أو مولى، ثم رحل إلى قومه "بني الحارث بن ربيعة" في موطنه الأصلي المعروف حاليا بـ"تنومة بني شهر"، وقد أورد الدكتور العمري كثيرا من المواقع والأمكنة، التي درج عليها الشنفرى، ووردت في سيرته مثل: فرعة سلامان، وادي سروم، عرعرة الدوارة، حضن ابن العمير وجبال حضوة، وادي ذات نيام، مما يؤكد "شهريته"، ولكني ألمس ظهور وازدهار الشنفرى، وحضوره في أدبيات وشعراء ومؤرخي بلاد "غامد وزهران"، أكثر مما ألمحه من مضاهاة وذكر في موطنه "بني شهر"، أو في عسير، مما يثير التساؤل حول هذا الانصراف والضمور عن تناول هذا المكون الأسطوري، والنص التراثي الغائب في أعمالهم.