المرأة بالتأكيد موضوع أهم، خاصة حينما يتقارب ما يمسها مع ما يمس معتقدات وعادات وتقاليد البلد، خذوا الحجاب وما يثار حوله من صراع ورفض وتحدّ من بعض المحجبات ومطالبة باحترام حقوقهن، ومع أن الأسواق تضج بالثياب إلا أن توجيه الاهتمام للمرأة المحجبة بشكل راق غائب عن كثير من الأسواق؛ ففي لقاء تلفزيوني مع أحد المتخصصين في الأزياء، وهو مصمم تركي تخصص في ماركة للمحجبات اسمها (مودنيسا) مشتقة من دمج كلمة موضة بكلمة نساء، قال إنه فكر في هذا المشروع أثناء زيارته للمملكة للحج قبل بضع سنوات حين لاحظ أنه لا توجد ماركة خاصة بالنساء المحجبات، فقرر أن يبدأ هذا المشروع في بلده تركيا التي تشكل المحجبات فيها 65% من النساء، وكان أن نجح المشروع، وتوسع خارج تركيا ممتدا إلى أوروبا وغيرها، وله موقع يعرض أزياء جميلة راقية.

هذا الرجل بتجربته نموذج واضح على أن المرأة بحاجة إلى من يتلمس حاجتها، ويوفرها لها في ظل سوق يعج بما يناقض قيمها وأخلاقها.

نموذج آخر لما تحتاج المرأة المسلمة إلى الالتفات إليه، وهو تخليصها من الخلط الناتج عن سلوكيات فردية منها أو ضدها يبنى عليها حكم مع مطالبات بحصولها على حقها في حياة كريمة.. الخلط بين الحقوق والاحتياجات والحرية المطلوبة والانفلات بظني هو أقسى ما تواجه به المرأة.

لا نحتاج إلى استعراض نماذج من النساء العربيات أو المسلمات الواعيات والواعدات اللواتي وصلن حتى المناصب السياسية في العالم العربي وخارجه، ولا نحتاج إلى التأكيد على تفوق المرأة، ولكن القضية المزعجة أن تبقى المرأة مثارا للجدل العقيم في حقها في استخراج ورقة رسمية أو في التنقل والسفر وغيرها.

لا شك أن الإعلام الغربي يبحث عن موضوعات مثيرة ليطرحها ليكسب اهتمام عامة الناس، نموذج على هذه الموضوعات القضايا الجدلية أو التي تشكل منعطفا أو معاناة في مكان ما، فلو تناولت رغيف الخبز بشائعة في بلد فقير فهذا مهم جدا بقدر أهمية كذبة ارتفاع سعر النفط في بلد غربي، ليس معنى هذا أن الرغيف لا قيمة له عند الأوروبي، ولا أن النفط لا يؤثر في ثمن الرغيف في البلد الفقير، بل لأن الإعلام لامس قضية تهم مواطن الأرض التي يخاطبها.

زوبعة مضت في الأيام الماضية حول نساء قررن الانفلات من سلطة الأهل وغادرن الوطن، وهذا القرار مبني على معاناة خاصة، ولو توقفنا وتأملنا الفكرة لوجدنا أنهن طبقن خيارا شخصيا لا رجعة فيه من وجهة نظرهن، ومن وجهة أخرى من أين حصلن على الدعم للهروب رغم القيود المفروضة عليهن حسب كلامهن؟ وما قيمة أن يصبحن مثارا للجدل وما فعلن خاص بهن وبأسرهن التي ستتأثر بالتأكيد بهذا القرار؟!

السؤال يكبر ويتسع مع إجادة اللغة الإنجليزية ومع أسلوب الحياة التي عرضت فيه النساء بدون حجاب مع كلب أو تقود السيارة. هل هي أحلامهن الأهم؟ وهل تساوي الحرية التي سعين إليها أن يتخلين عن أوطانهن وعن كل قيمهن وعن أسرهن؟! هذه الأسئلة ليست أسئلة جدلية، بل يجب أن تطرح مع التأكد من أن البنات فعلا اتخذن القرار وهن يدركن العواقب أو أنهن خدعن برغبة مؤقتة وعابرة؟

يؤلمني أمران في القضية معاناة الأسرة أو الطرف الأضعف مثلا كالأم، والحديث باسم النساء جميعا وأنهن معنفات لأن القضية هنا تتحول إلى تشويه لصورة المرأة التي تعمل حينما يقال المرأة غير قادرة على العمل، والتي تعيش في أسرة توفر لها الحماية والرعاية على أكمل وجه بينما توصف للعالم بأنها مهانة، وللمرأة التي ترك لها وإليها الأمر وتتصرف بحرية تامة في حياتها.

نعم هناك نماذج من النساء تعاني من التسلط، ويجب أن يلتفت إليهن الجميع، خاصة من في محيطهن ويساعدونهن على إبعاد الأذى عنهن.

أما أن يختلط الحابل بالنابل، وتحارب كل مطالب النساء أو العكس يلقى الحبل على الغارب باسم الحرية، فهذان طرفا نقيض، لا يقبلان في التعامل مع قضايانا بجدية، ويجب أن نعي الفرق بين المطالبة بالحق وكلام الحق الذي يراد به باطل.