أجمع عدد من الخبراء الاقتصاديين والقانونيين أن المادة 77 من نظام العمل لا تتوافق مع الرؤية السعودية المتعلقة بالتوطين السعودي في القطاع الخاص، وستؤثر على مستوى الأمان الوظيفي في القطاع. 

وقال أستاذ قانون العمل والقانون المالي في كلية الحقوق بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، الدكتور خالد رشاد خياط، إن بعض التعديلات التي تم إدخالها على نظام العمل قبل عامين أحدثت ثغرات قانونية استغلها بعض أصحاب العمل بشكل سيئ جدا من أجل فصل العمال السعوديين بدون أي سبب مشروع من أجل تقليل التكاليف وتحقيق مزيد من الأرباح دون وجود أسباب مشروعة، حيث هناك إحصاءات غير رسمية تؤكد أنه بلغ عدد العاملين والعاملات السعوديين الذين تم فصلهم بشكل غير مشروع منذ تلك التعديلات أكثر من 50 ألفا، وهو رقم خطير جدا.


تعويض محدود

أشار خياط إلى أن إلغاء المادة 78 نجم عنه أضرار كبيرة، والتي كانت تمنح سلطة للهيئات تسوية الخلافات العمالية في الحكم بإعادة العامل الذي يتم فصله بشكل غير مشروع إلى العمل متى طلب ذلك، من خلال إلغاء تلك المادة، لم يعد هناك سلطة لهيئات تسوية الخلافات العمالية تستطيع بموجبها إعادة العامل للعمل.

حيث كان العامل المفصول فصلا غير مشروع يعوض ويتم تحديده من قبل الهيئة حسب كل حالة بما يتناسب مع الأضرار المتوقعة والمحتملة، وكان التعويض في الغالب مبلغا مجزيا للعامل وكبيرا، لكن بعد تعديل المادة أصبح التعويض محدودا في جميع القضايا ولا يتناسب ماديا مع الأضرار التي قد تلحق بالعامل.

وأكد خياط أن نظام العمل السعودي حاليا خالٍ تماما من أي عقوبة رادعة لأصحاب العمل في حالة فصل العمال السعوديين بشكل غير مشروع، حيث لا توجد غرامات مالية أو على الأقل إيقاف التأشيرات الأجنبية ومنعهم من تشغيل العامل غير السعودي مكان العامل السعودي المفصول.


سلبيات التعديل

تتضح خطورة نهج المنظم السعودي في تبني نص المادة 77 بعد التعديل في أنه قد أهدر شرطا مهما يتمثل في ضرورة توافر السبب المشروع عند إنهاء العقد، حيث كان هذا الشرط يمثل ضمانة حقيقية لحماية العامل في مواجهة الإنهاء التعسفي لعقد العمل. ويترتب على الوضع الجديد انتفاء أي أهمية من الناحية العملية أو القانونية لشرط المبرر المشروع، خاصة مع إلغاء نص المادة 78، ولا بد أن يعيد المنظم السعودي النظر في هذا النص المعدل، وأن يتدخل لإعادة الأمور إلى نصابها مرة أخرى، خاصة بعد أن أفرز الواقع العملي سلبيات هذا التعديل الذي ترتب عليه فقدان عدد ضخم من العمال لمصدر رزقهم وبشكل تعسفي ودون تعويض عادل. ولا شك أن هذا الوضع قد يثير في حال تفاقمه العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وقد يهدد السلام الاجتماعي، وقد يشيع الاضطراب ويزعزع التوازن بين شركاء العمل.



مخالفة القوانين الدولية

يقول وكيل كلية الحقوق بجامعة الملك عبدالعزيز وأستاذ القانون المدني، الدكتور محمد إبراهيم العثمان، إن المادة 77 تخالف بشكل صريح التزام صاحب العمل بعدم فصل العامل لسبب غير مشروع وفقا للمبادئ العامة لقانون العمل الدولية، ولا بد من إعادة النظر في صياغة هذا المادة، حيث إنه قد تم الخلط في صياغتها بين حق صاحب العمل في فصل العامل بسبب عدم حاجته للعمل لديه في حالة الإفلاس أو التعثر المالي، وثبوت ذلك بشكل قاطع وبين تجاوز صاحب العمل وفصله لسبب غير مشروع، ونص المادة 77 شكل صدمة لكل المحامين والقانونيين بسبب الخلط بين حق صاحب العمل في إنهاء علاقة العمل لأسباب موضوعية مرتبطة بظروف المنشأة التي يعمل بها العامل، وعدم حاجة المنشأة للعامل أو تغير طبيعة عمله أو النشاط الذي يعمل به، وبين فصله لسبب غير مشروع، ولا بد التأكيد على أن فصل العامل أو إنهاء عقد لا يعد بحد ذاته عملا غير مشروع في حال وجود سبب موضوعي ومقبول للفصل يتوافق مع قواعد نظام العمل.

ولا بد من إعادة النظر في هذه المادة، فهناك العديد من النصوص النظامية التي تم تعديلها في كثير من الأنظمة في الدولية وفقا لما تقتضيه المصلحة العامة ومواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق العدالة.



مخالفات العمل

أوضح خياط أن قرار وزير العمل المتضمن منع الفصل الجماعي غير كافٍ أبدا لحل تلك المشاكل، وقد يعتبر ذلك القرار معيبا قانونيا نظرا لكون مجرد قرار وزاري يتعارض مع نظام العمل الصادر من سلطة تشريعية الذي لم يتضمن أي نص قانوني يمنع أصحاب العمل صلاحية الفصل غير المشروع بشكل جماعي أو فردي متى تم التعويض وفقا المادة 77، حيث إن نظام العمل تشريع ولا يمكن تقيده أو إلغاؤه إلا بموجب نص تشريعي وليس مجرد قرار وزاري صادر من سلطة غير تشريعية، وذلك وفقا لمبادئ القانون.


مضمون المادة 77

قال عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق بجامعة الملك سعود، الدكتور رضا محمود العبد، إن النصوص التي طالتها يد التعديل نص المادة "77" من نظام العمل والتي أصبحت تنص في صياغتها الجديدة على أنه "ما لم يتضمن العقد تعويضا محددا مقابل إنهائه من أحد الطرفين لسبب غير مشروع يستحق الطرف المتضرر من إنهاء العقد تعويضا على النحو الآتي:



  1. أجر 15 يوما عن كل سنة من سنوات خدمة العامل إذا كان العقد غير محدد المدة.

  2. أجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة.

  3. يجب ألا يقل التعويض في الفقرتين 1 و2 من المادة عن أجر العامل لمدة شهرين.

     


التحفيز الاقتصادي

أشار الخبير الاقتصادي الدكتور أسعد جوهر إلى أن خلق التوازن بين جانبي العرض والطلب في سوق العمل مطلب اقتصادي تسعى لتحقيقه جميع برامج التحفيز الاقتصادي عالميا، ولكن المادة 77 أخلت بكل القواعد المؤدية لخلق ذلك التوازن، إذ أعطت سيطرة كاملة لجانب الطلب أصحاب العمل، وأضعفت جانب العرض "العمالة السعودية"، بحيث أصبح الأجر السائد للعامل أقل مما يطالب به أصحاب العمل من كفاءة إنتاجية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة المضافين لأرقام البطالة التي هي أساسا مرتفعة حسب الإحصاءات الرسمية 12%. كما أن ظهور سوق سوداء على استعداد للقبول بالآجر السائد والمتدني أصلا وتفضيل بعض أصحاب العمل لهذه العمالة أضاف بعدا أعمق للمشكلة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والقانونية أيضا، بصورة تتعارض تماما مع أهداف رؤية 2030 التي أعطت أولوية مطلقة لحماية سوق العمل، وخلق فرص عمل وظيفية للسعوديين كأولوية نص عليها أيضا النظام الأساسي للحكم.

وإلغاء هذه المادة مطلب اقتصادي واجتماعي وقانوني لإعادة التوازن لجانبي العرض والطلب في سوق العمل، وبالتالي الوصول إلى أجر التوازني الذي يرضي كلا الطرفين.


زيادة البطالة

أشار رئيس اللجنة التأسيسية لاتحاد اللجان العمالية، نضال محمد رضوان، إلى أن هذه المواد التي طرأت على نظام العمل جعلت صاحب العمل يقوم بتسريح العامل المواطن بدون سبب مقنع. وهذه المواد التي استحدث في نظام العمل تسير في خطى معاكسة تماما لأهداف هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة، كما أن التسريح غير المبرر يزيد الضغط على نظام التأمين ضد التعطل "ساند"، وبالتالي التأثير على قدرة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية على الوفاء بالتزاماتها، والتسريح يرفع نسب البطالة ويسهم في زيادة الركود الاقتصادي في المملكة.

كما أن بطالة العمالة الوطنية مع تواجد الملايين من العمالة الوافدة خطر كبير على الاستقرار والسلم الأهلي، ومكافحتها مطلب اجتماعي واقتصادي وسياسي وأمني، والمواد 77 و78 من نظام العمل لا تندرج بالتأكيد ضمن أنظمة مكافحة البطالة، ولا بد من إعادة صياغة المواد بما يوازن بين مصالح كافة أطراف الإنتاج ويحمي حقوق العمال المواطنين.