«رُدّ الزيارة» هي أُغنية شهيرة للفنان عبدالكريم عبدالقادر، وأنا هنا لن أردد أبيات الأغنية، لأني لست في مقام إقناع أحد بحرمة الغناء، وصوتي أثق بأنه سيقنع الجميع بحرمة الغناء، هذا إذ لم يقنع الناس أجمعين بأن الغناء من السبع الموبقات، لكنني سأحاول أن أكتب وأنا متلبس بشجن وحنين الفنان عبدالكريم عبدالقادر، ذلك الشجن الشفيف الذي يكاد أن يلج دروب الحزن ولا يفعل!

حفر الباطن، المدينة التي تشبه «بنت الضرة»، يقول عنها أهل الشرقية أنها محافظة شمالية, وتقول الأوراق الرسمية أنها محافظة شرقية, وهي تائهة فلا هي أخذت من مدن الشمال رحابتها, ولا هي لحقت بتنمية مدن ومحافظات الشرقية.

هذه المحافظة، كأنه يُراد لها أن تكون «نائية»، فمثلا هي تابعة إداريا للمنطقة الشرقية، لكن إذا أردت أن تذهب إلى الشرقية جوا فإنك ستضطر لأن تحجز إلى مدينة الرياض، ومن الرياض تعود إلى الدمام, أما إذا فكرت في السفر برّا، فإنك بين خيارين: إما أن تفقد سيارتك، وإما أن تفقد روحك في طريق عجيب ما زالت التحويلات الخطرة تعيث به لعبا وفوضى منذ «25 عاما»!

أما المدينة من الداخل، فهي تحتضر -أو تئن إذا أردنا تلطيف العبارة- فكما هو معروف أن على مشارف كل مدينة مكب نفايات -أعزكم الله- لكن في حفر الباطن تحولت المدينة ذاتها إلى مكب نفايات, وأظنه من المنطقي أن يطالب أهلها بأن تُقام لهم مدينة على مشارف مكب النفايات «المدينة سابقا»، فالمقاول يعمل أسبوعا ويغيب أشهرا، ثم يعود يوما بعد أشهر كي يعود إلى سباته.

المقاول يُرجع السبب «لامتناع العمال عن العمل بسبب عدم استلام رواتبهم»، والبلدية تقول إننا «نبهنا» المقاول، حسنٌ، أليس لديكم حل آخر؟ بلى، خاطبنا الوزارة بالمشكلة! وبالتأكيد أنا لا ألوم المقاول ولا البلدية ليس لأن «الضرب في الميت حرام» لكن -فعلا- المشكلة يتحملها العامل الذي يمارس الإضراب لأنه لم يستلم راتبه منذ أشهر, فهذا ليس مبررا للامتناع عن العمل، المفترض أن يحتسب العامل الأجر وتكون لديه روح المبادرة وخدمة الآخرين، وجزء من المشكلة يتحملها المواطن الذي من المُفترض أن «يشيل عفشه» ويذهب إلى مدينة أخرى حتى تحل البلدية هذه المشكلة, بدلا من التضجر و»الحلطمة»!

 في العنوان، ناشدت سمو أمير المنطقة الرجل الآسر الخلوق الأمير سعود بن نايف، بتكرار زيارته في العام الماضي, لأن تلك الزيارة ما زالت ذكراها حيّة في ذاكرة الناس، إذ فجأة وجدنا أنفسنا في مدينة نظيفة مرتبة تكتسي شوارعها بالورد «أيه.. قسم بالله ورد!»، صحيح أن تلك الحالة استثنائية ولم تستمر إلا أقل من 24 ساعة، لكنها كانت فرصة لأن نشعر أننا نتنفس هواء نقيا، ونحن لسنا طمّاعين، فنأمل أن تجدول الزيارة مرتين في الشهر فقط، لأن ذلك كفيل بأن يدفع المقاول حقوق العمال، وفي الوقت نفسه تستريح البلدية من دورها الجديد «كمنبه» للمقاول الذي لا يسمع!.