بين عشية وضحاها وجد المجتمع السعودي المحافظ في نواح كثيرة نفسه أمام انفتاح مفاجئ على عوالم ترفيهية مربكة ومختلفة ومدفوعة الأجر في الوقت الذي كانت أحلامه بسيطة بالحصول على ترفيه متاح وممكن، ويشبه إنسان هذا الوطن، ويلامس ثقافته البصرية والحسية والاجتماعية.

الواقع يقول إن الثقافة اكتساب، بينما الترفيه صناعة، ما يعني أن الترفيه هو نتاج عمل يتحول بشكل ما إلى ثقافة، فهل نحن أمام صناعة ثقافية وانفتاح ثقافة متطرفة إلى حد كبير، بجعلها لا تشبهنا في مراوحة بين الترفيه المقتبس من الآخر، والترفيه المدفوع كما في الأمسيات المسبقة الدفع، بأرقام تتجاوز رواتب الشريحة الكبرى من المجتمع، ومثال على هذا أمسية عمر خيرت المعلن عنها، والتي تصل تذاكر حضورها إلى أكثر من ألفي ريال، بينما تقام في مصر بما يعادل الستين ريالا فقط للتذكرة، كذلك أمسية البدر التي فاقت ثلاثة آلاف، بينما في دول مجاورة جدا تكاد تكون تذاكر حضور الأمسيات الشعرية رمزية ومتاحة، وكذلك ما ذهب وما سيأتي من حفلات الفنانين، مثل محمد عبده وراشد الماجد، وغيرهما.

على جانب آخر، هناك الأنشطة التي ترعاها هيئة الترفيه المستحدثة والمقتبسة من ثقافات أخرى اسما ومضمونا وحضورا، مثل «كوميكون» على سبيل الحصر. مما يظهر هنا أن محاولات أجندة الترفيه ركزت على تأثير الترفيه، وليس على مضمونه. فانصرفت هيئة الترفيه تثبّت مشروعيتها من خلال الأنشطة المستوحاة من بيئات أخرى، ومن خلال استهداف فئة على حساب فئة أخرى وهي الأكثرية.

الترفيه اليوم أشبه بلعبة الكراسي الموسيقية التي يكون فيها عدد المقاعد أقل من عدد اللاعبين، ويمكن تشبيه حالة الأكثرية التي ترغب في الحصول على ترفيه من هذا النوع بأنهم اليوم في حالة «اغتراب» أمام توسع الحركة الترفيهية القائمة.

إن رصد أموال تستهدف شرائح اجتماعية محددة من أجل تحريك الثقافة وإتاحة فرص الترفيه هو أمر يدعو للتساؤل بموضوعية وشفافية: هل هذه بداية خطوات معالـجـة أزمة الترفيه في بلادنا؟!.

أمام مظاهر الترفيه غير المعقول أن حُرف الهدف عن معناه الحقيقي واتجه للربحية المبالغ فيها، تحت ذريعة إشاعة ثقافة الترفيه بين أفراد المجتمع، بينما اتضح أن المقصود به هنا، حسب رؤية مسؤولي الترفيه، هم الأفراد ذوو الدخل المرتفع.

إن المطلوب هو أن تكون هناك برامج تُـعَـزّز حراك الترفيه والتسلية، وإشاعة ثقافتها المجتمعية لأغراض حقيقية، للخروج بالإنسان المواطن من معترك التوتر اليومي والعمل والرتابة والروتين الحياتي، بما يتناسب فعليا مع إمكاناته المتاحة. وهو مطلب لتحقيق المعادلة التي وفرتها الدولة بصرف الملايين لتحريك عجلة الترفيه، والتي أحد أهم أسبابها إرضاء الأفراد، وتوفير متطلباتهم في هذا الجانب.

إن الرهان المطروح هنا في ظل التغيرات المتسارعة في مجتمعنا هو الترفيه الذكي مضمونا، وليس على مستوى جباية المال على حساب الأكثرية المتعطشة للترفيه بكافة أشكاله.