تحقيقاً لأهداف رؤية المملكة 2030، تم الإعلان عن تخصيص 16 جهة حكومية، والتي تشمل عدداً من الوزارات في نشاطات معينة مثل التعليم والصحة والشؤون البلدية والقروية والعمل والنقل، بالإضافة إلى بعض الخدمات الحكومية العامة، وذلك بهدف رفع مستوى أداء وكفاءة تلك الخدمات وتنويع مصادر الدخل.

 في الماضي، فرضت الظروف الاقتصادية والاجتماعية أن تكون الإدارة الحكومية هي إدارة التنمية، ولعل المبرر الرئيسي وراء ذلك هو عدم وجود القطاع الخاص الفعّال، وبالتالي اضطرار الدولة إلى تولي العديد من المهام والأنشطة الجديدة عليها في ذلك الوقت، ومشكلة الإدارة الحكومية تتمثل في أنها تركن إلى القيود الروتينية ومقاومة التغيير والتطوير، وتضطهد الكفاءة والإنتاجية، ولا تجد في قاموسها مكاناً للإنجاز أو الأداء.

 وعلى هذا الأساس، حاولت الدولة تجاوز تلك السلبيات البيروقراطية، فسارعت إلى إنشاء العديد من المؤسسات والشركات الحكومية، وأوكلت إليها العديد من المهام التنموية، ولكن هذه النماذج الإدارية غلبت عليها سلبيات البيروقراطية أيضاً، وأصبحت لا تختلف من حيث الأداء عن الجهات الحكومية الأخرى، ولهذا أصبحت الخصخصة اليوم خياراً إستراتيجياً للدولة وجزء من سياسات الإصلاح الاقتصادي والإداري.

ولا شك أن عملية الخصخصة تأخذ أساليب وطرقا عديدة، لكل منها مميزات وعيوب خاصة بها، ويتوقف اختيار الأسلوب الأنسب على الظروف الاقتصادية والهدف المنشود من البرنامج، ووضع المشروعات والخدمات المطروحة للخصخصة، والحديث عن هذه الأساليب لا يتسع المجال لمناقشتها، والمهم هنا هو التطرق إلى المخاطر المحتملة لبرنامج الخصخصة عند تنفيذه على أرض الواقع.

هناك تجارب عديدة لبعض الدول في مجال تطبيق برامج الخصخصة لم تضف أصولاً جديدة للاقتصاد الوطني لتلك الدول، وإنما تدفقات مالية استخدمت لتمويل الإنفاق العام الجاري لتغطية عجز الحكومات عن تطوير النشاط الاقتصادي وتمويل الإنفاق العام، بالإضافة إلى وجود نماذج عمليات خصخصة فاسدة، تم من خلالها إهدار المال العام، ومن ذلك على سبيل المثال بيع شركات حكومية لشركات أجنبية بأقل من قيمتها الحقيقية والعادلة، بحيث يتم كسب السوق المحلية لبيع منتجات تلك الشركات الأجنبية، وبالتالي القضاء على الإنتاج المحلي أو بيع الشركة الحكومية كتقسيمات عقارية في نهاية المطاف، ناهيك عن تضارب المصالح والرشاوى عند طرح الشركات أو المشروعات الحكومية للبيع للقطاع الخاص.

وبناءً على ما سبق، عجزت بعض الدول عن تحقيق أهداف برامج الخصخصة، فنتجت عن ذلك زيادة نسبة البطالة وسوء الخدمات المقدمة إلى السكان وارتفاع نسب التضخم وإغلاق بعض الشركات الوطنية، وبالتالي تناقص النمو الاقتصادي، وهذه النتائج تعتبر من المخاطر الرئيسية لأي برنامج خصخصة في العالم.

ولتقليل مخاطر تنفيذ برامج الخصخصة، فإن للأجهزة الرقابية وخاصةً ديوان المراقبة العامة دورا مهما في الرقابة على عملية التصرّف بالبيع لبعض الوحدات الاقتصادية، وكذلك تخصيص المشاريع والخدمات العامة، ودور الديوان في هذا الشأن على درجة كبيرة من الأهمية، وخاصةً في مجال مراجعة التقييمات لكافة الأصول والمقومات الخاصة في الوحدات المباعة، والرقابة على كيفية التصرّف في القيمة البيعية للوحدات التي يتم التصرّف فيها، ومراقبة الإجراءات النظامية والقانونية التي اتخذت في هذا الشأن.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن كثيراً من المشاريع والشركات التي تمت خصخصتها في بعض الدول عانت من مشاكل مالية ومحاسبية، مثل كثرة الديون وعدم توازن الأصول مع الالتزامات أو الخصوم، ومشاكل محاسبية أخرى تتمثل في التقييم الخاطئ للمخزون السلعي، ومن هنا يتطلب ضرورة قيام ديوان المراقبة العامة بالمراجعة المهنية التي تستدعي فحص كافة الوثائق والمستندات وفقاً لمعايير المحاسبة المحلية والدولية، وكذلك وفقاً لطرق التقييم المتعارف عليها، بحيث يتم تقديم بيانات ومعلومات موثوقة لمتخذي القرار في الجهات العليا للدولة يمكن الاعتماد عليها.

أما فيما يتعلق بمشاركة ديوان المراقبة العامة كمفاوض في تخصيص بعض المنشآت فإن ذلك قد يتعارض مع مبدأ حيادية واستقلالية الجهاز الرقابي، لذا فإن هذا الدور قد يكون المناسب أن تقوم به وزارة المالية بحكم اختصاصها في الرقابة المالية المسبقة، بحيث يتم تحقيق الرقابة والإشراف على متحصلات عملية الخصخصة ومتابعة تحصيل أي أقساط مؤجلة ومراقبة صحة إجراءات التعاقد مع الغير.

وكما رأينا آنفاً فإن عملية الخصخصة تحتاج إلى وجود رقابة فعالة على كافة مراحل تنفيذ البرنامج، والسؤال المطروح هنا: هل الرقابة المالية الحكومية سواء كانت في ديوان المراقبة العامة أو في وزارة المالية تواكب عملية تطور دور وأهداف الحكومة في إدارتها للمال العام أثناء التحول إلى اقتصاديات السوق في القطاع الخاص؟.. فكما هو معلوم فإن الرقابة مازالت قديمة وتقليدية، وعليه: هل يتم اللجوء إلى شركات المحاسبة القانونية لتحقيق الرقابة على الخصخصة؟.. إذا كانت الإجابة «نعم».. هنا تظهر لدينا مخاطر أخرى عالية نسبياً لا يتسع المجال لذكرها، والمتمثلة في إظهار تقييمات خاطئة وغير عادلة بسبب التواطؤ مع أصحاب المصالح!.