في عام 1991 أطلقت ماليزيا رؤيتها لـ 2020، لتعلن عن تحول طموح من بلد زراعي يعتمد على القصدير والمطاط إلى بلد صناعي يصنع ويصدر التقنية العالية، بالإضافة إلى وضعه على خارطة التجارة والسياحة العالمية، وكذلك نهضت كوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرهما من الدول المتطورة، فلم تكن كوريا قبل السبعينات من القرن الماضي سوى بلد متخلف لا يوجد فيه أي من مقومات الدول المتطورة وينتشر فيه الفساد، وكذلك كانت سنغافورة في الستينات، ثم حصلت القفزة التي أنتجت ما وصلت إليه هذه الدول في الوقت الحاضر.

الإعلان عن الرؤية بما فيها من أهداف ومبادرات ومؤشرات كان إشارة للبدء بمرحلة جديدة من العمل الإداري في المملكة، حيث إن وجود رؤية موحدة تشترك فيها جميع القطاعات الحكومية، ويسهم فيها القطاع الخاص، ويعيشها المواطن، يعني أننا انتقلنا إلى مشاركة مجتمعية واسعة لتحقيق رؤية دولة، وهذه قاعدة أساسية في التغيير والتحول الإستراتيجي لأي بلد في العالم. الرؤية تعني أهدافا مشتركة يسعى الجميع لتحقيقها، مما يعني التوقف عن العمل العشوائي والنزعة الفردية، والتحول إلى العمل الجماعي المشترك المتكامل، الرؤية تعني التوقف عن عمل كل جهة على حدة وكأننا في جزر منعزلة إلى العمل المتكامل الذي تتضافر فيه الجهود فننمو بقوة وفعالية، ونحقق نمواً مستداماً، ونوقف الهدر وضياع الموارد، ولأدلل على ذلك يكفي أن نعلم – على سبيل المثال لا الحصر - أن إحدى الجهات تبنت مشروعاً لتحديث البنية التحتية لأحد الأحياء في الوقت الذي كانت فيه جهة أخرى قد أقرّت إزالة هذا الحي خلال ثلاث سنوات باعتباره حيّاً عشوائياً كجزء من مشاريعها التطويرية! لم يكن هذا التضارب ليحصل وهذا الهدر وتضييع الجهود لو أنه كان يوجد مخطط شامل يصف بوضوح كيفية التوسع والتطوير خلال السنوات القادمة الذي سيحصل في هذه المدينة بكامل مكوناته السكانية والتعليمية والصحية والترفيهية... إلخ.

تخيلوا أن هذا السيناريو الكارثي - الحي العشوائي - أنه يحصل بأشكال مختلفة مرات ومرات كل سنة وبين كثير من القطاعات! كم من هدر للأموال والجهود والأوقات يحصل؟! أما تعطيل المشاريع الحيوية والتجارية فحدث ولا حرج، مصانع ومستشفيات ومنشآت تجارية وسياحية جاهزة يتأخر تشغيلها لعدم اكتمال ما حولها من خدمات أساسية وبنية تحتية (كهرباء – غاز - مياه – نقل... إلخ) لانعدام التنسيق وعدم وجود مخطط شامل مشترك، ألم يحن الوقت لنا كقطاعات حكومية وقطاع خاص ومواطنين حريصين على وطننا أن نوقف هذه الارتجالية، ونوحد جهودنا وصفوفنا نحو رؤية موحدة وأهداف مشتركة؟! في المقابل لو أن كل قطاع وجهة وكل منطقة ومدينة عملت رؤية وتصوراً شاملاً ومتكاملاً لخمس سنوات قادمة على الأقل، ثم تم توزيعه على القطاعات المختلفة مع توضيح دور كل قطاع وكل جهة وكل قسم لانتقلنا نقلة لافتة في كل جوانب الحياة، وهذا أحد الوظائف التي تدعمها أي رؤية على مستوى الدول.

ولنفهم كيف أن الرؤية تُوحد الجهود وتُكمل المشاريع وتوزع الأدوار بوضوح بين القطاعات والجهات المختلفة، وسنضرب مثالاً من الأهداف التي وردت في برنامج التحول الوطني 2020، حيث إن إحدى مبادرات وزارة الحج والعمرة تستهدف الوصول إلى 15 مليون معتمر من الخارج سنوياً من 6 ملايين حالياً فقط، هذه المبادرة لن تؤثر على الحرمين الشريفين وما يتبعهما من مرافق أو على شركات العمرة فقط، بل إنها ستتجاوز ذلك إلى جميع القطاعات ذات العلاقة، هذا يعني رفع مستوى البنية التحتية والخدمية والنقل والمطارات والموانئ لمكة والمدينة والمدن التي ينزل ويمر بها المعتمرون لتستقبل هذا العدد سنوياً، فتضع وزارة الشؤون البلدية والقروية مشاريعها لبنية تحتية مناسبة عند ذلك التاريخ، وتضع وزارة النقل المشاريع الجديدة أو التطويرية للطرق والقطارات وما يتبعها من موانئ ومطارات، وكذلك تقوم هيئة السياحة برفع عدد الغرف الفندقية بما يتناسب مع استيعاب هذه الأعداد من خلال زيادة وتنظيم الفنادق والشقق المفروشة، وكذلك الشركات المعنية بالخدمات ستحدد أهدافها ومشاريعها خلال السنوات القادمة بما يتناسب مع هذه المشاريع وهذه الأعداد من الزائرين والمعتمرين مثل شركة الكهرباء والغاز والاتصالات والمياه، ولا ننسى ما سيحصل في قطاع التجارة وحركة الأعمال، يعني أنه حتى القطاع الخاص يجب أن يتكيف ليواكب الرؤية، فيضخ استثمارات بأحجام مناسبة من خلال مشاريع تجارية وخدمية، وستحصل زيادة كبيرة في المشاريع الصغيرة والمتوسطة لرواد الأعمال ستنعكس إيجابياً على دخل المواطن ووفرة الفرص الوظيفية.