حلّت الذكرى السادسة لانتفاضة الربيع العربي هذا العام دون أن ينتبه إليها أحد. خلافا للسنوات السابقة. لم نشهد سيلا من التعليقات حول العاصفة التي هزت العالم العربي، ووعدت بتحول سياساتها.

وبالطبع، فاٍن الأشياء الحديثة تختفي تدريجيا مع مرور الوقت. لكن ضعف الاهتمام بالانتفاضات العربية تعكس تحولا أعمق: إن الأمل لبناء أنظمة سياسية جديدة وأكثر تمثيلية، قد أفسح الطريق لليأس، كما تحولت الثورات المنتظرة إلى ثورة مضادة، وحروب أهلية، ودول فاشلة، وزيادة التطرف الديني.

ونظرا للنتائج غير المرضية حتى الآن، يجب أن نستمر في التركيز على انتفاضات الربيع العربي، من أجل الكشف عن أسبابها الجذرية. مثل أي حدث تاريخي، فقد طرحت الانتفاضات أسئلة جديدة وصعبة. ومن أهمها السبب في فشل الاقتصاديين في توقع الاضطرابات.

اٍن التنبؤ بالاضطرابات السياسية ليس بالأمر السهل. خبراء الاقتصاد ليس لديهم سجل مثير عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ حتى بالأزمات الاقتصادية. لكن هذا الفشل في التنبؤ قد يعكس مشكلة أعمق مع الافتراضات والأطر الاقتصادية.

عشية سقوط بعض الحكام العرب المستبدين، كان يتم في الواقع تمجيدهم من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، نظرا للنجاح المفترض الذي حققوه في تبني السياسات الاقتصادية «الصحيحة».

إن اعتراف البنك الدولي بخطئه هو دليل واضح على أنه أخطأ في الانتباه إلى وجود خلل في السياسات المقررة من الأنظمة الرجعية العربية.

وهذا يثير مجموعة من الأسئلة الأخرى: هل كان الاقتصاديون يركزون على مؤشرات خاطئة؟ هل كانوا مضللين بسبب الاستدلالات الخاطئة؟ أو لم يولوا اهتماما كافيا للمزالق المحتملة؟ باختصار، هل كان الأمر يتعلق بمشكلة البيانات أو بمشكلة التحليل؟

إن الفشل في توقع الثورات السياسية يعكس، جزئيا على الأقل، القصور المفاهيمية. يميل الاقتصاد السائد إلى التركيز على التوازنات وعلى الاقتصاد المتجانس، مسترشدا بالاختيار العقلاني، عندما تعادل الفوائد الهامشية التكاليف الثانوية.

وهناك أيضا أبعاد تجريبية لفشل التنبؤ هذا. فقد رسمت العديد من البيانات صورة إيجابية تماما عن الوضع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العقد الذي سبق اندلاع الانتفاضات، حققت اقتصادات المنطقة معدلات حقيقية محترمة سنوية لنمو الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 4-5%.

وقد انخفضت هذه المكاسب إلى حد ما بسبب النمو السكاني الذي رافقها، مع معدلات الناتج المحلي الإجمالي لنمو نصيب الفرد الحقيقي بحوالي 2-2.5%. ومع ذلك، فإن هذا يمثل تحسنا كبيرا بالمقارنة مع الثمانينات والتسعينات، عندما تخلفت اقتصادات الشرق الأوسط عن المناطق الأخرى.

حصلت أيضا تحسينات ملموسة في مؤشرات التنمية البشرية في دول المنطقة، وأخذت الفوارق الاجتماعية تنخفض في بعض منها.

وعلاوة على ذلك، على الرغم من ندرة البيانات، في بعض الدول التي اجتاحها الربيع العربي كانت نسب الفقر بالفعل من بين أدنى المعدلات في العالم النامي، وبالأخص، في تونس. وقد استفادت دول المنطقة، بشكل مباشر أو غير مباشر، لسنوات من ارتفاع أسعار النفط الدولية - خصوصا منذ عام 2002 إلى 2008، عندما وصلت الأسعار إلى ذروتها التاريخية، أي حول 147 دولارا للبرميل، واستفادت المنطقة أيضا من طفرة حديثة في دورة الأعمال التجارية.

لكن لم تكن كل الأخبار جيدة بطبيعة الحال. عندما اندلعت الثورات، كانت هناك كثير من الأسباب التي دفعت الناس العاديين، خاصة الشباب والطبقات الوسطى المتعلمة، ليشعروا بالغربة سياسيا. كانت معدلات البطالة -خاصة بين الشباب- عالية جدا. ونادرا ما يعطي المتسلطون الأولوية للعدالة الاجتماعية.

ومع ذلك، فالحقيقة هي أن دول المنطقة كانت تشهد تحسنا في الرخاء النسبي، وليس الأزمات الاقتصادية أو الركود. ويُفند هذا العامل التفكير التقليدي الذي يربط الثورات الجماهيرية بالصعوبات الاقتصادية، ويفترض أن فترات الازدهار النسبي مرتبطة بهدوء سياسي شامل.

ويوحي الربيع العربي أن تحسين الأداء الاقتصادي لا يمكن أن ينظر إليه باعتباره ضمان التأمين ضد عدم الاستقرار السياسي.

تعلّم هذا الدرس قد يساعدنا على تجنب الصدمات بسبب الاضطرابات السياسية في المستقبل، وقد يمكّننا أيضا من تجنب هذا النوع من خيبة الأمل واليأس، الذي أحدثه الربيع العربي.


 


بروجكت سنديكيت