إن من أشد الحروب ضَرَاوة والتي تحدث دون إراقة قطرة دم، هي الحروب الصامتة بين النساء والرجال، الطرف الأول وهن النساء يعملن كرد فعل لما يحدثه الرجل عبر تاريخ طويل من السلطة التي تحكم وثاقها حول حياة المرأة. ولعل اندلاع جدل واسع في الأيام الماضية بسبب إطلاق حملة تتبنى عبارة «كوني حرّة» من قبل قناة الأسرة العربية mbc، كان أحد الأمثلة لهذه الحروب التي تشتعل في السنوات الأخيرة لأسباب عديدة، منها أن الثقافة السائدة التي اختلط فيها الدين بالأعراف بالإعلام أصبحت المتحكم الأول والمجحف الأكبر بحق المرأة السعودية، والتي دفعت بقضايا المرأة المصيرية لتوظف في مصالح لا تمت لمصلحتها بصلة، بل تزيد من توحش المجتمع تجاه النساء. وهو بالتحديد ما حدث في توظيف حملة «كوني حرة» من قبل القناة التي ألحقت بها صورة امرأة بأكتاف عارية ترتدي ثوبا أحمر ضمنيا مع عبارة «كوني حرة».

إن هذا التشويه للمعنى السامي لمفهوم الحرية الذي تتطلع له المرأة وما دار حولها من جدل كبير، لهو بالتحديد تلك الحياة التي تمتد تحت ظل سيف، وهو ما عنته «فيرجينيا وولف» بقولها «عبر القارة الواسعة لحياة المرأة، يمتد ظل سيف. من إحدى جهات ذاك السيف، تسود الأعراف والتقاليد والنظام، كل شيء فيه صحيح. أما من الجهة ا?خرى، فإن كنتِ مجنونة إلى حد العبور إليها واختيار الحياة التي لا تتبع الأعراف، فلن تجدي سوى الفوضى. لا شيء فيها يتبع نظاما معينا». نعم، إنه يحدث في كل مرة.

إن الرجال في الإعلام -وعلى ما يبدو ليست النساء- من يقوم بتحريك الأفعال وردود الفعل في المجتمع ومنابره، ولطالما كانوا محركي نمط حياة المرأة الرئيسيين. فنظموا القوانين ونفذوها ووضعوا لهن معايير لنمط الحياة، حتى إنهم قرروا الدور الذي يجب أن تلعبه النساء في حياتهن، إنهم الممثلون عنها في كل ما ترغب به أو تحتاجه، وعمليا عملت النساء تحت وضمن هذه المعايير والحدود التي رسمها لهن الرجال، فأحدهم يقرر والآخر يتوعد ويرفض، والمرأة هنا ليست إلا ردة فعل وليست إلا شاهد عصر على كل هذا، حيث لا تملك الكثير في هذا الخضم. إن مفاهيم وهمية عن معنى الحرية التي تسعى إليها المرأة، وصورا نمطية تتحرك داخل المجتمع، هي نفسها التي تجعل من المرأة المكرمة المصانة، وفي الوقت نفسه تفرغها من أهليتها، واعتبارها قاصرا، غير جديرة بالثقة والحرية، وهي ذات المفاهيم التي تتناول المرأة كونها مادة وقيمة جنسية مضافة للرجل والمجتمع في الآن نفسه.

إذن ما الحالة التي من المفترض أن تكون عليها النساء ليصبحن سويّات وصاحبات قرار ولا يعاملن كطيور في قفص، وهو ما تمثله القراءة النفسية لاختيار عبارة «كوني حرّة» بدلا من عبارة لنكن أحرارا على سبيل المثال؟ بحيث باتت مقولة أن «باب القفص فُتِحَ، لكنّ الكناريّ رفض الطيران»، تقسم الجموع إلى سجان وطائر في قفص يحفهما ظل سيف.