تحت قبة مجلس الشورى، يمكن لثلاثة أصوات فقط أن تسقط مشروعا حضاريا بأكمله، لتستمر الدائرة الرتيبة بالعودة إلى المربع الأول في كل ما يتعلق بقضايا النساء.

ذلك ما حدث في التصويت على توصية إنشاء كليات رياضية للبنات، ثلاثة أصوات كانت قادرة على أن تسير بالركب في الاتجاه المعاكس، وأخذه إلى حيث يقف في المنتصف، والأصوات الثلاثة تنطلق من مرجعية نمط الوعي والتفكير الذي تعززه رؤيتهم الشخصية تجاه معنى حراك المواطنات داخل المجتمع، مما يفرض تساؤلا: ألا يوجد في مجلس الشورى تصويت يعترض على فكرة تغليب ثلاثة أصوات مقابل موافقة البقية؟

من أنتم؟، تكاد تكون هذه هي العبارة الأقرب إلى هذا المعنى بخصوص الأصوات الثلاثة التي تقاطعت مع البقية، بدءا من مقدمي التوصية مرورا بالشريحة الكبيرة من المجتمع، والتي تؤيد التقدم بشأن متطلبات المرأة، وانتهاء برؤية 2030 التي ضمن أهدافها الوقاية الصحية للمرأة، ودعم ممارسة الرياضة النسائية.

في ظل ما يحدث في مجلس الشورى، من قبول لرأي وصوت الأقلية على حساب الأكثرية والصالح العام، يجب أن نقلق وبشدة، تحديدا فيما يخص مستقبل المرأة الذي في كل مرة ينتكس ويعود إلى نقطة البداية.

إنه في حقيقة الأمر، وإلى يومنا هذا، يقف مجلس الشورى على بعد مسافة حادة من إنصاف النساء ضد التمييز والتهميش، في الوقت الذي من المفترض أن ينشط في تحركه وتوجّهه على ديمقراطية الفعل والموقف، فإنه ينعزل عن متطلبات المرأة ويقف إلى جوار ثقافة متوارثة لها مبرراتها من وجهة نظر أصحابها الذين -ويال المصادفة- هم أعضاء في المجلس وصوتهم مسموع.

الواقع يقول، إنه لو كانت المقترحات والحلول والتصورات تتحرك في المجلس بعيدا عن الإسقاطات الذهنية عن كون المرأة كائنا ذا خصوصية هشّة، لكان الوضع اليوم أقل تعاسة مما هو عليه.

نعم، لم يعد مستغربا أن تتحكم ثلاثة أصوات في مصير مجتمع بأكمله، كما أن تكرار الأمر واستمراريته واردة، طالما أن هناك قلة مرجعيتها الأساسية -وبشكل نصي- أن «المرأة كائن هشّ يجب حمايته بدلا من الوثوق به».

من هنا، نعود إلى نظرية أن تحرير الإنسان «المسؤول»، والمقصود به هنا كل صاحب قرار وصوت منحته الدولة صلاحية النظر والبحث في شؤون المجتمع السعودي، ذلك يتطلب وبقوة النظر في تحرير عقله قبل كل شيء من كل الإسقاطات المعيقة لتقدم المرأة، إذ لم يعد الأمر داخل قبة الشورى مجرد قضية امرأة، أو قضية كليات رياضية، أو رياضة نسائية، أو غيره من الملفات المتعددة التي تم إغلاقها وتعليقها، بل أصبحت قضية إنسان.

إن رؤية 2030 تتطلب من مجلس الشورى أن يعمل على أن يكون وضع المرأة أفضل مما كان، وتقديم الحلول والمتغيرات التي تجعل من النساء في بلادنا مواطنات فاعلات، وشريكات في التنمية والمواطنة، والارتقاء بهن إلى كل ما يعزز كونهن إنسانا ذا كرامة، وتصبح لحياتهن قيمة محركة، حتى وإن بدا مطلب الكليات الرياضية أو الرياضة أمرا لا يشكل أهمية -كما يعتقد البعض- إلا أنه في حقيقته يشكل خطوة كبيرة للخروج من دائرة تنميط حياة النساء.

ولكن يبقى السؤال الكبير: كيف يمكن الخروج من هذه الدائرة الجهنمية المغلقة؟.