طالعتنا وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي بمقطع في أقل من دقيقة لطلاب مدرسة ابتدائية في تبوك يغطون الشارع المقابل للمدرسة بالأوراق والكتب، يتجولون بين السيارات المتحركة ويرمون بالأوراق في مشهد يشبه حالات الفوضى وتحولها إلى أعمال تخريب. المشهد ليس بالجديد لمن اقترب من التجربة التربوية في السعودية لكنه صادم وخطير ويستحق التفكير والتأمل لفترة طويلة.

لابد من الاقتراب من الطلاب لفهم سلوكهم من وجهة نظرهم الخاصة. للأسف أنني لا أستطيع إجراء مقابلات مع طلاب تلك المدرسة لكنني تحاورت مع عدد من الطلاب في ذات المرحلة للتعرف على دلالة سلوك الطلاب كما نقله لنا المقطع. لكني سأترك هذه المهمة لمقال مقبل لأتحدث هنا عن قضية أكثر أولوية. لا بد من الإشارة إلى أن وجود الأطفال في الشارع بين السيارات بدون أي إشراف من المدرسة أو من الجهات الأمنية هو الحدث الجلل الأكبر الأهم من تمزيق ورمي الكتب. هذا المشهد يعني أن حياة الأطفال ذاتها كانت في مهب الريح عرضة للخطر الأكبر. الذي أعرفه أن نظام التعليم لدينا لا يلزم المدارس بتنظيم خروج الطلاب بطريقة آمنة. بمعنى أن مهمة المدرسة تنتهي بمجرد خروج الطلاب من باب المدرسة. كذلك يبدو أن النظام لا يلزم الجهات الأمنية الخارجية بالتواجد المستمر أمام المدارس لمراقبة خروج الطلاب والطالبات بطريقة آمنة. يبدو أن الأمور متروكة للاجتهادات.

 هذا ليس الوضع الطبيعي بالتأكيد. كل من اطلع على تجارب تعليمية عالمية أو حتى بعض المدارس الخاصة في السعودية يعلم أن إجراءات خروج الطلاب والطالبات يمكن أن ترتب بطريقة آمنة. هذا الترتيب يتحقق من جهتين: الأولى خارجية تنظم مرور السيارات التي تقل الطلاب بشكل منظم، والجهة الثانية داخلية ترتب الطلاب وتسلمهم مباشرة لأهاليهم. في كثير من السياقات التعليمية يعتبر السماح للطفل بالخروج من المدرسة بدون التأكد من وجود ولي أمره في الخارج جريمة تحاسب عليها المدرسة. أعني بجريمة هنا أن يتم تقديم المدرسة ومسؤوليها للقضاء بتهمة الإهمال وليس مجرد إجراءات إدارية داخل الجهات التعليمية.

 الواقع أنه بمجرد تسجيل الطفل أو الطفلة في المدرسة فإنه قد تم التعاقد بين ولي أمر الطالبة أو الطالب والمدرسة على أن تقوم المدرسة ليس فقط بتعليمه ولكن أيضا بحمايته وتوفير بيئة آمنة له. جزء أساسي من هذا الالتزام ألا تترك المدرسة الطفل يخرج من أسوارها بدون أن تتأكد أنه برفقة ولي أمره. الشوارع ليست أماكن آمنة للأطفال خصوصا الصغار منهم. عملية حماية الأطفال لحظة الدخول للمدرسة والخروج منها ليست عملية معقدة ولا مستحيلة ولكنها فقط تحتاج تشريعا وتنظيما وإلزاما قانونيا للمدارس. المدارس تحتاج دعما وتدريبا لتستطيع القيام بهذه المهمة. هذا الأمر له الأولوية على كل الأعمال التعليمية التطويرية التي تنفق عليها الأموال الطائلة.

 القضية هنا تتعلق بأساسيات الحياة وأولويات الحقوق ولا يمكن الاستمرار في تجاهلها. المشكلة العملية التي يمكن أن تعيق تنفيذ مثل هذه المهمة هي أن عددا كبيرا من المدارس الحكومية مقام في مبان سكنية لا تتوفر أمامها الطرق المناسبة لتنظيم عمليات دخول وخروج الطلاب. كذلك بعض المباني الحكومية لا تتوفر لها ذات الإمكانيات. هذا يضعنا أمام مشكلة تنظيمية أكبر ولكنه لا يجعل مهمتنا مستحيلة. ما يجب علينا أن ندركه هنا هو أن مشكلة دخول وخروج الطلاب مرتبطة بمشاكل أخرى، ولذا لا بد من نظرة شمولية أوسع لحلها. المطلوب من الوزارة أن تجعل من هذه المهمة أولوية من أولوياتها، ولدفع الوزارة في هذا الاتجاه لا بد من تشريع قانون دقيق ينظم المسؤولية القانونية التي تتحملها الوزارة ممثلة في المدارس في حال أهملت في القيام بمهمة الحفاظ على سلامة الطلاب والطالبات. هذا القانون سيكفل للناس مقاضاة المدارس ومحاسبتها قانونيا وجعلها مسؤولة بشكل مباشر عن إجراءاتها. من يتتبع مسيرة تطور التعليم في كثير من دول العالم يعلم أن القضايا التي رفعت في المحاكم ضد الجهات المسؤولة عن التعليم دفعت المدارس باتجاه الحرص الشديد على تحمل مسؤولياتها والوعي حقيقة بخطورة الآثار التي قد تنتج عن إجراءاتها.

ليس لدي إحصاءات دقيقة عن نسب الحوادث المرورية في محيط المدارس لكنني متأكد أنها ليست بالقليلة عطفا على الفوضى العارمة التي نشاهدها أمام المدارس لحظات دخول وخروج الطلاب والطالبات.

هذا بشكل عام لكن المهمة اليوم مباشرة ويومية أمام المدارس ولا بد من اتخاذ إجراءات حيالها. أعني بذلك أن على الأهالي بالتعاون مع إدارة المدرسة والمعلمين مهمة القيام بإجراءات للحد من خطورة دخول وخروج الطلاب. لا يمكن القبول بعملية فتح الباب أمام الأطفال وإخراجهم للشارع بدون إجراءات تكفل سلامتهم. نحن هنا أمام مهمة أخلاقية أساسية لها الأولوية على التعليم والتربية. إدارة المدرسة تستطيع التنسيق بشكل مباشر مع الجهات الأمنية في الحي لإعداد خطة لرفع معدلات السلامة لحظات الدخول والخروج. هذه الخطة يجب أن تعد بالشراكة والتعاون مع أهالي الحي لأنهم في الأخير هم من سيقوم بتنفيذها. في أحياء كثيرة في أميركا يقوم الحي بتعيين أحد أفراد الحي (خصوصا من المتقاعدين أصحاب الخبرة) للإشراف على عملية الدخول والانصراف وهي عملية لا تتجاوز الساعة الواحدة يوميا.

 سأكمل لاحقا محاولة تحليل المقطع المتداول للمدرسة الابتدائية في تبوك ولكنني هنا أحببت تسجيل موقف من الأولويات التي يجب أن تشغلنا قبل غيرها. المقال كان عن أولوية السلامة في لحظات دخول وخروج الطلاب والتي أظهر المقطع إهمالا كارثيا من قبل المدرسة ومن قبل التنظيمات التي تحدد بدقة مسؤولية المدارس تجاه أطفالنا.