الشعور بالخوف وعدم السلام والكراهية، تُرسَّخ في العقول البشرية بوسائل عدة تجاه كل ما لا يتوافق مع أنماطهم وأفكارهم ودياناتهم.

ولعل من الواضح أن البشرية اليوم تمر بمرحلة المعرفة والوعي، وكل ما تبقى للإنسان الواعي هو أن يجد لديه مساحة للتساؤلات والبحث عن المعنى خلالها.

السؤال الذي ربما يكون الأهم في قائمة الخروج من الصندوق، ومن دائرة العنف اللا مرئي وغياب السلام في النفس والمكان، ومع الآخرين، هو: من أنت الآن؟

وضَعْ في اعتبارك أن الإنسان السوي ليس فقط ذلك الذي يذهب إلى المسجد والكنيسة والمعبد، ويقوم بأداء بعض الشعائر والعبادات والطقوس.

نعم، هذه طرق صحيحة، ولكنها لا تصنع من الجميع أسوياء، أو تعطي الجميع السلام الكامل، وإن كنت تؤديها بمعزل عن فهم جوهرها، فأنت لست على الطريق الصحيح، لست متدينا، فالتدين الحقيقي هو في التشكل المعنوي الإنساني الروحي العميق.

ما الذي يفسر أن البلدان والشعوب التي تمارس التدين بشكل لافت، ولديها كثير من المعابد والمساجد والكنائس، ولكنها تعاني صراعات على المستوى الدقيق في داخل نفوس وأرواح وعقول الناس؟!

السر ليس في المصدر، ولا في كثرة الوسائل التي تمارس، بل في فقدان السلام والحب للكون والبشر، وكل ما هو من الله، إذ يغيب معنى أن الله هو السلام.

في أحد أهم الحِكم التي تفسر الدافع العميق للتناحر والصراعات يقول حكيم: إنه منذ اليوم الذي دخل حبُّ الله فيّ، اختفت الكراهية من داخلي. لأنني قبل أن أستطيع أن أكره أحتاج إلى وجود الكراهية في داخلي.

إن عددا قليلا من الناس أخذوا يسيرون دون عكازات، أي دون إسقاطات المجتمع.

ذلك أنه من الصعب جدا أن تخالف المجتمع، بل هو أمر في غاية الصعوبة، لأنه سيخلق لك كثيرا من العوائق والصعوبات. سيعاقبك المجتمع إذا خالفته، أمّا إذا أطعته وسرت معه، فسيقدّرك ويحترمك. سيساعد «أناك» إذا تماشيت معه «أي المجتمع»، وإذا لم تتماش معه فسيحطمك.

كثير من الناس يعرفون حق المعرفة، أن السير مع المجتمع حماقة، لكنهم يقولون: لماذا نخلق لأنفسنا متاعب غير ضرورية؟ فيلجؤون إلى التسويات، والتسويات هنا تفقدهم معنى السلام مع أناهم وذواتهم.

إن تحول الإنسان من مرحلة التوحش والبدائية والهمجية، ربما مرّ بمراحل تأنسن وترويض لعقله البشري، وعلى الرغم من كل هذا، ظل ذلك الوعي الهمجي المقاتل كامنا في مكان ما من وعي البشر، كأفراد أو كشعوب.

ومن هنا، فإن فكرة خلق السلام لا يعني أن تزول الصراعات بين البشر فقط، إنما يكمن في تغيير المعاني التي عبّرت عن مفهوم السلام لدى الإنسان. هذه المعاني التي تشمل القيم والمواقف والعادات والأفكار، وفهم المعاني السامية التي ليست حكرا على أحد أو فئة أو مذهب أو دين، بل هي قيم عليا تقوم على احترام مبادئ الحُريّات الأساسيّة وحقوق الإنسان، وتقبل الثّقافات المُتعدّدة، والتوقف عن دفع البشر لخوض خياراتٍ ضدّ إرادتهم.

ألم يحن الوقت للتغيير؟ هذا هو السؤال، هل نحن قادرون على رؤية واقعنا كما هو؟، وهل بمقدورنا الآن أن نفعل شيئا مختلفا تماما من أجل استعادة التوازن الروحي الحقيقي؟.