لا أدفع عن نفسي تهمة (باردة!)، اسمها (نفاق السلطة!)، لدى مردديها جلد وإصرار على ترديدها ضدي، ولتشويهي، منذ أكثر من ربع قرن! ولو أنهم أشغلوا أنفسهم بما يفيدهم طيلة هذه المدة، لكانوا (طلاب علم!) حقيقيين، وليس كما هم عليه الآن من (جهل مركب!) ضرّهم، وضرّ وطنهم، وأهلهم، وباعهم بأرخص ثمن، لعدو يتربص بأمن وطنهم ونموه ووحدته وقيادته!.

 لا أدفع تهمة لا تستحق الالتفات أصلا، لكن أصف حالا عشتها وأعيشها، ويعيشها غيري من الكتاب والإعلاميين والمثقفين الوطنيين، الذين لم يخدعهم شعار، ولم يثنهم شتم! ولست قطعا بأفضلهم ولا أشهرهم، لكنني أجد في حالي أنموذجا قد يضيء خطوة في طريق الوعي العام بقيمة الوطن! فإليكم هذا التوصيف:

 أولاً: في 5 /1 /2013 نشرت المقال الشهير عن قطر والإخوان، وختمته بعبارة، وضعتها ضمن العنوان تقول: (هنا وطن دونه الحبر...و...والدم!)، فكان من ألطف العبارات التي قيلت عني ولي: أنت مندلق! وأنت ترقع بلاويك بالتقرب، وأنت...وأنت...! أما الثيمة الأساسية فهي (أنت منافق!)، وهذه الحال كانت امتدادا من اتهامي وغيري، بالنفاق للسلطة لنحو عشرين سنة وأكثر من التهم المماثلة قبلها، فكلما كتبت مقالا أمتدح فيه الوطن وأثني على رمز من رموز الحكم فيه، قيل لي مثل ذاك وأسوأ منه! وحين أقلت من صحيفة الوطن، وبعد ذلك من الشرق، كانت الشماتة غلافا جديدا لتلك التهم، بل واستفزازا ظاهره التعاطف الملغوم والشتم الذي يدعي أنه المنبه لي! وباطنه مطالبة بالانضمام لتكايا (السرورية، وبقايا القومية، وأصحاب الشعارات!)، ولم أستجب ولن أستجيب!.

ثانيا: مرت الأيام والسنون، حتى كان إيقافي الأخير عن الكتابة لعام ونصف تقريبا، لأسباب مقالات وطنية، حسب اجتهادي! لا أدري حتى الآن ما هو خطئي فيها، مع أنها عن وقائع مازلت محتفظا بأدلتها، وتلك قصة أخرى! ولكن حين تم السماح لي بالكتابة! استيقظت تلك التهم مرة أخرى، لكنها هذه المرة بطريقة مبتكرة، وبمساهمة واضحة من حملة دف (منظمة الحمدين!)، والتهمة تقول: ولي العهد أعادني للكتابة من أجل شتم قطر! وكل شيء بحقه! والطريف أن هذه التهمة ليست من أشقائنا القطريين، فهم من حقهم أن يدفعوا التهم عن وطنهم ولا يلومهم عاقل مطلقا! لكن هؤلاء الأشقاء من قطر قلة قليلة جدا، وصوتهم بالكاد يصل إلى بعض أرجاء قطر! لكن التهمة قادمة بـ(وعوعة وجلجلة!)، ممن لو لوح لهم بلاط الحكم السعودي بالدولار، أو بالعصا لخروا سجدا - نفاقا!- يلعقون البلاط بألسنتهم، وهؤلاء معروفون، ويمكنني ذكر كثير منهم بالاسم، سواء من داخل المملكة أو خارجها، فهم المتصدرون اليوم لواجهات جميع وسائل إعلام (تنظيم الحمدين!) ووسائل التواصل العامة! ولفرط شجاعتهم فمعظمهم بأسماء مستعارة! وهم زاد ووقود قناة التنظيم (الرأي والرأي الحمدي!)، وسواء تدثروا بالدين البريء منهم، أو بقيم القومية العربية الفارغة المزورة، أو شعارات الديمقراطية وطبول الحرية الملغمة، فهم في (الكذب!) شركاء وأهل!.

ثالثا: عندما فشل (تنظيم الحمدين!) في تبرئة ساحته، انبرى هؤلاء الذين يقبضون بالريال والدولار والسكن والإقامة ورحلات الجو والبحر! انبروا لتأنيب مثقفي وكتاب وإعلام دول الخليج العربية، بدغدغة مشاعر الشعوب في الدول نفسها، فهم مثلا يتساءلون - موجهين كلامهم للشعوب!- كيف يقف أي مثقف حر ضد قيم الديمقراطية والمشاركة الشعبية، و... و.. الحرية! والحقيقة أنني لا أعرف وطنيا واحدا في الخليج العربي كله، ولا في المملكة، ممن يكتبون أو يشاركون برأيهم، ضد قيم العدل والحق والجمال والحريّة! ولكنهم يريدون ذلك كله تحت خيامهم المنصوبة في واحات قلوبهم، وداخل تجاويف عقولهم، وليس في شوارع المظاهرات، وبطولات الفوضى، وتحت شعارات القتل والنهب والتغول باسم الحرية! هم يريدونها قطعا، ولكن وفق مفاهيمهم لأوطانهم الآمنة المستقرة النامية بتوثب وطموح، واستراتيجيات تطوير تخصها، وتناسب وضعها! فقد رأوا بعيونهم وعقولهم ما حدث في بلدان أطاع أهلها الشعارات التي خدعتهم، وتحمسوا لثورات ليست لهم، ولم يدركوا أبعادها إلا حين رأوا (مرسي مصر!) في قصر قبة مصر! ثم فوجئوا بمن يحتج بصراحة من داخلهم على الجيش المصري الذي أسقط الشبح الإخواني، نعم والله من داخل العاصمة الرياض يحتجون، ليس لأنهم ضمن تنظيم السرورية الإخواني الخطير، وإنما لأنهم يكرهون حكم العسكر! وأن تنظيم الإخوان وصل عبر الديمقراطية! والطريف هنا أن أحدهم (لعن أبو !) ديمقراطية أميركا في كتاب منشور، وخسر على توقيعه ملايين، هو ممن يؤيد ذات الديمقراطية مع تنظيم الإخوان! ليسجل العسكر!.

 واسمحوا لي على إيراد بعض الطرائف المعروفة مصالح أبطالها! ولكن المهم عندي أن أقول بأن دول الخليج العربية، وعلى رأسها المملكة، وهي قائدتها وحاضنتها، وعمقها بكل معاني العمق، هذه الدول قانعة راضية بما حققت من نمو على كل مستوى، وهي طامحة آملة في مستقبل أفضل على كل المستويات، لكن بطريقتها، وبمقدار ما تسمح به سرعتها، وبالسبل الحامية لكياناتها، وهي اليوم تعرف تماما كلمة الحق التي يراد بها حق، وتلك التي يراد بها (ثورة!) لا تبقي ولا تذر!

رابعا: عندنا وبين ظهرانينا في المملكة ودول الخليج، من - حتى هذه اللحظة - يمتدحون الأنظمة العلمانية في تركيا وماليزيا وغيرها، فإذا وصل الأمر إلى دولنا الخليجية - وخاصة السعودية - بدأنا نسمع النُّون وما يسطرون من تهم الفساد، والذهاب بالأوطان والشعوب إلى الهاوية بسبب مخططات غربية وشرقية! وفريق منهم من نشطاء القومية البائدة وحركات البعث واليسار يقول: افعلوا وتقدموا، لكن عند كل خطوة إصلاح أو قرار تغيير وتطور تجدهم كمن يكرس المثل (عنز ولو طارت!)، فلا شيء يعجبهم، وكل خطوة هي مثار تشكيك، بل هي نافذة فساد جديدة، حتى وإن كانت فعلا تنسجم مع شعاراتهم في النمو والتطور...إلخ!.

خامسا: هناك فريق ليس قليلا، يوجه لي سؤالين، سواء كان مشافهة أو عبر وسائل التواصل، وهما:

1 - ألست ممن كتب وبجرأة ووضوح عن الإصلاح وطالب الحكومة بإجراءات كان ومازال يتوق أي مواطن لحدوثها، ولم يكن يجرؤ أحد على إثارتها! فما بالك تنكص على عقبيك، وتعود إلى (قمع! أي والله قمع!)، من يستغرب أنك ترد باستنكار على من يسير في ذات خطك الآن!.

2 - لماذا كل هذا التهويل من خطر (تنظيم الحمدين!)، على المملكة، أليس هذا تهميشا واضحا لمكانة المملكة وقوتها ودورها!

 واسمحوا لي أن أجيب عن السؤال الثاني لأقول: إن من يفكر - مجرد تفكير!- في جرح المملكة بشوكة، فإنه سيكون في خبر كان، عاجلا أم آجلا! وهو الآن ما ينتظر (تنظيم الحمدين!) قطعا، وسيشرب الكأس التي ذاق منها أهم منه وأقوى وأخطر! وذهب، وأكثر ما يؤتى المرء من ظنونه!!، ولكني كنت ومازلت وسأظل أتحدث وأنبه للمؤامرات التي تحاك ضد الكيان من الداخل - وهو عندي أهم وأخطر! - أو من الخارج، ليس خوفا على الوطن، فالقيادة والحكومة وجيوش المملكة كفيلة بفقء عين من ينظر لها نظرة حقد! لكني أريد أن أنبه المواطن، والمقيم المحب، وأقول: هذا ما يراد بكم، فاعرفوا وطنكم، فكل واحد منكم مسؤول عما تحت يده، أما كبار الأمور فلها أهلها، وفقط انتبهوا كي لا يستخدمكم أحد كبعوض، فالبعوضة تدمي مقلة الأسد! ثم إن مواجهات الأسود ليست كحيل وألاعيب الثعالب، والمؤمرات خاصة من (العديق! مثل تنظيم الحمدين!) مخيفة ومقلقة، ولم ولن تنجح مطلقا في وضع خطوتها أسفل سفح جبل المملكة! لكن كم ستدمر من بشر كانوا ضحايا لتلك القذارة التآمرية سواء علموا أو انخدعوا!؟ كم؟ وكم ستسبب تلك المؤامرات والشعارات في تعطيل الوطن عن النمو!؟ تذكروا فقط ما فعله (السروريون بصحوتهم المزعومة!)، وتأملوا كم عطلوا الوطن بتفاهات، غطوا بها مؤامرات هدفها رأس النظام وحكم بلاد الحرمين، تذكروا فقط، وتأملوا! ثم لا تقفزوا من السفينة بحجج ولى زمنها وماتت جدواها!.

 أما السؤال الأول فمازلت كما أنا، أحد المطالبين بالتطوير والإصلاح والتغيير سياسيا واجتماعيا، لكني أطلب أن يتم ذلك منسجما مع واقعنا وتطلعاتنا، ومع الحفاظ الشديد جدا على وحدة وطننا العظيمة، وعلى قيادته، التي هي الضامن الحقيقي للوحدة الوطنية، أما ما عدا ذلك فلنجتهد فيه جميعا تحت سقف وطننا، وبالصورة التي لا تسمح بأن تتصاعد حدة الحوادث المرورية التي مازالت تدمي القلوب! ولكن ليس بأن تسمح بالتفكير - مجرد تفكير!- في بقاء الكيان ودعمه وتكريس قواعده أم لا! فضلا عن حتى مناقشة بقاء ذلك الكيان من عدمه! فهذا أمر يستحيل قبوله! وللتوضيح هنا فتنظيم الحمدين المجرم! وصل إلى هذه الخطوة، أقصد خطوة التفكير والتنسيق والنقاش في إمكانية إسقاط النظام السعودي!؟ وكيف!؟ وستكشف لك الأيام ما كان خافيا، ويأتيك بالأنباء من لم تزود!.

 رابعا: هناك مواطنون مثقفون، ومحبون لوطنهم لاشك، لكنهم يصدقون كل تشكيك في الفكر السياسي لوطننا، وفِي خططه للمستقبل، بل ويتصيدون أي تصريحات سياسية أو غيرها، لها في قلبها توظيفات لا يفهمونها! أو تهويلات وتخويفات على مستقبل الوطن، لأن مثيريها - وبوضوح صارخ!- يشكون في الإجراءات المتخذة، وهذا الشك يشطح بعيدا، ويدندن حول شعارات المشاركة الشعبية، وأهمية أن يتم سماع وتنفيذ رأي المواطن عبر منصات ديمقراطية! والحقيقة أنهم محقون لو كانوا هم أنفسهم مهيئين لأمر كهذا! ولكن!.

وبالمناسبة أتذكر مقولة لأحد أساتذتنا الكبار، مجاله لا يتجاوز نقد الشعر وصور الإبداع الأخرى، لكنه يردد ويقول: نحن جاهزون للديمقراطية من مئات السنين! وحجته أن عقل الإنسان هنا مثل عقل الإنسان في استكهولم، أو لندن أو غيرهما! وكلام الأستاذ صحيح لو أنه - وهو خريج بريطانيا - يقبل رأيا آخر غير رأيه!؟ لكنه لا يتورع أن يصادر كل من يخالفه! وأنا لا ألومه فهو ابن بيئته، ونتاج تجربة هذه البيئة، ومع أنه قضى سنين طويلة بين ظهراني الغرب، إلا أن كل ذلك طارئ في حياته، وغيره كثر! ثم إنه ينسى (التجربة الإنسانية المتراكمة!) بكل أبعادها وعمقها وخلاصاتها! وهؤلاء المحبون المشككون أو الخائفون، سأدعوهم جميعا إلى مناسبة كبرى في قصر أفراح، وأقف هم وأنا لنتأمل فيما يحدث من مواقف داخل القصر وخارجه، وما يدور من نقاش، وغيره! ولا (يدعمر !) أحد علي ويقول هذه عاداتنا، فأنا أعرف العادات والتقاليد، وأعرف تقاليد أمم وشعوب أخرى، أما ممارساتنا غير الناضجة فهي في الحقيقة عناوين تخلف، وهي عكس عاداتنا الأصيلة، التي كانت حضارة بأكملها! ومن هنا قِس، وتصور متى وكيف ستصلح لنا الديمقراطية!؟ وهل تصلح أصلا كما نراها، أم يجب ابتكار أنموذجنا!؟ ثم لماذا لا ننتظر حتى تمر سحب الصيف، ثم نتناقش ونشكك كما نحب!؟ أليس هذا مدهشا ويدعو إلى التأمل!؟.

 وأخيرا لا يظن أحد أنني أدعي الفضل والقدرة على تعليم أنفسهم، أو حتى نصحهم، فهذا ليس طموحي، ولا دوري أصلا، أنا فقط أتطارح معكم أفكاري، وأصف الحال كما عشتها وكما جربت ورصدت، وكما أعترف لكم به الآن، حتى لا يتعب أحد في ترديد أو ابتكار أي تهمة جديدة، فلم، ولن أكون أجيرا لأي نظام من خارج الوطن، سواء كان محبا لوطننا، أو كارها له، أنا وبكل فخر واعتزاز أجير لوطني! ولقناعاتي التي تتوقف أو ألغيها أمام مصير الوطن، فالدفاع عنه، والسعي لمصالحه العليا، يستحيل أن أضع أمامها: لماذا!؟ وإنما ودون تردد، أضع: كيف!؟ ثم أجتهد! ووطني قطعا عرف أو سيعرف من هو الوطني ومن هو المنافق!. وحمى الله الوطن.