بعد قرار الكويت طرد عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين وإغلاق الملحقيتين الثقافية والعسكرية الإيرانيتين في الكويت، وتجميد كافة اللجان الفنية المشتركة بين البلدين، حاولت طهران أن تتبع مجددا سياسة الهروب إلى الأمام وتسطيح القضية ومخادعة الرأي العام المحلي، وتجنب الحديث عن أساس المشكلة المتمثل في تورط النظام الإيراني ممثلا في الدبلوماسيين الإيرانيين في الكويت والحرس الثوري وحزب الله اللبناني المرتبط بطهران في تشكيل خلية إرهابية في الكويت، عرفت إعلاميا باسم خلية العبدلي، تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار البلاد من خلال تخزين كميات ضخمة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل، وكذلك القيام بالتدريب على حمل السلاح وحرب الشوارع.

 فمن يتابع تصريحات المسؤولين الإيرانيين وتعاطي الإعلام الإيراني مع القضية بعد القرار الكويتي يجدهم تارة يتهمون اللوبي الصهيوني، وتارة الإدارة الأميركية بالوقوف خلف هذا التصعيد السياسي بين الكويت وطهران، وأخرى يتم اتهام السعودية بالضغط على الحكومة الكويتية لإفساد العلاقة مع الجانب الإيراني، كما حاول النظام الإيراني ربط التصعيد السياسي هذا بالأزمة الخليجية.

 فعلى سبيل المثال قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي إنه تم استدعاء القائم بالأعمال الكويتي في إيران «فلاح الحجرف» وإبلاغه باعتراض إيران القوي على اتهامات وزارة الخارجية الكويتية ضد إيران بشأن الملف المسمى «خلية العبدلي»، واصفا تلك الاتهامات بأنها لا أساس لها من الصحة. وأعرب عن أسفه بأن المسؤولين الكويتيين في ظل الظروف الحساسة في المنطقة بدلاً من أن يحاولوا تقليل التوتر الناتج عن عدم ضبط النفس تجاه ضغوطات واستفزازات أطراف المغامرة الإقليمية، يستهدفون إيران من خلال اتهامات واهية، على حد قوله.

أما أمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري الإيراني اللواء محسن رضائي، فقام باتهام السعودية بشكل مباشر وقال «لعبت السعودية دورا رئيسيا في إثارة صدام حسين لشن الهجوم ضد إيران والكويت والآن تتجه إلى الكويت ومارست ضغوطها على تلك الدولة، لتحد من علاقاتها مع إيران». من جانبه فقد قام علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيراني الأسبق والمستشار السياسي الحالي للمرشد علي خامنئي، بإطلاق تصريحات فيها طابع التهديد للجانب الكويتي، حيث قال «ينبغي على حكومة الكويت أن تتعامل على أساس المصلحة وحسن الجوار، وبالطبع إذا انصاعوا لضغط السعوديين سوف يفرضون ضغوطا أخرى، ونحن ننصح الكويت بألا تضع مصالحها القومية رهنا لمثل هذه الإملاءات من السعوديين» على حد زعمه.

أما الإعلام الإيراني فقد نشر الكثير من التصريحات والتقارير والمقالات التي تهاجم دولة الكويت، ولعل أبرز ذلك ما نشرته قناة العالم على موقعها الرسمي وغرد به حسابها على تويتر بالقول «هل يحتاج الصغير الكويتي إلى تأديب»، وقد قامت القناة بحذف الخبر والتغريدة بعد تصدي المغردين الخليجيين لذلك على منصة تويتر. ولعل النظام الإيراني اختار قناة العالم دون غيرها لإيصال رسالة باللغة العربية تعبر عن موقفه من الحكومة الكويتية.

من يعيد قراءة التصريحات الإيرانية الرسمية والإعلامية يلحظ هروب النظام الإيراني من الإشكالية الحقيقية، وهي العمل على زعزعة أمن واستقرار الكويت، ومحاولة فتح جبهات جانبية أو العزف على وتر المظلومية وإظهار إيران بالبراءة وأنها ضحية للتآمر والاتهامات الباطلة. هذه استراتيجية إيرانية متكررة ومكشوفة في تعاطيها مع كافة القضايا الإقليمية والدولية، وهي بذلك تحاول تضليل الرأي العام الإيراني داخليا والهروب إلى الأمام خارجيا. وتظهر التصريحات أيضا إساءة مبطنة للحكومة الكويتية عندما تتهمها بتنفيذ توجهات خارجية بأنها مسلوبة الإرادة وفاقدة للسيادة ولا تملك اتخاذ القرارات داخليا وخارجيا، وهذه إساءة كبيرة للأشقاء في الكويت الذين تحلوا طيلة العقود الماضية بالصبر ومحاولة تجاوز العبث الإيراني في الشأن الداخلي الكويتي، لا سيما وأن الإرهاب الإيراني استهدف الكويت والمصالح الكويتية 18 مرة منذ عام 1983، كما نجحت الكويت في تفكيك 10 خلايا تجسسية وإرهابية إيرانية في الداخل الكويتي.

لقد استغل نظام ولاية الفقيه محاولات الكويت تجاوز الخلافات ومد الجسور بين ضفتي الخليج العربي ولعب دور الوساطة في تخفيف التوتر بين إيران وبقية دول الخليج العربي، إلا أن النظام الإيراني لم يراع ذلك وقرأ الموقف الكويتي بأن الحكومة الكويتية تقوم بذلك خشية من البطش الإيراني، وخوفا منها، وعندما بلغ السيل الزبى واتخذت الكويت موقفها السيادي في وجه العبث الإيراني أصبحت طهران تتخبط في تصريحاتها ومواقفها السياسية، ولكنها ما زالت مستمرة في تجاهل السبب الرئيس الذي دعا الكويت لاتخاذ هذا الموقف، لتخسر إيران دولة خليجية رابعة بعد السعودية والإمارات والبحرين، ولعل أيضا دول الخليج الأخرى تدرك خطورة التهاون مع المشروع الإيراني والعمل على استهداف أمن واستقرار هذه الدول لتحقيق طموحه التوسعي والطائفي.

الواقع يقول، لقد حولت إيران جميع سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية إلى أوكار للتخطيط لتنفيذ العمليات الإرهابية والتجسس وتأليب الرأي العام في الدول المستضيفة، علاوة على التجنيد والتدريب على حمل السلاح والقيام بعمليات تخريبية بواسطة بعض المغرر بهم من مواطني تلك الدول، كما ربطت خلاياها في دول مجلس التعاون بغرفة عمليات موحدة في إحدى سفاراتها بدول الخليج، علاوة على التنسيق المستمر مع عناصر حزب الله اللبناني الذين دخلوا إلى دول الخليج تحت مظلة البحث عن عمل أو مستثمرين أو حتى من قدموا للسياحة، بينما المهمة الأساسية التي جاؤوا من أجلها استخباراتية أو إرهابية بحتة. إن التفاصيل التي تم نشرها عن تعقيدات خلية العبدلي وطريقة التخطيط لها من قبل عناصر إيران داخل الكويت وخارجها تؤكد على حقيقة واحدة وهي أن البعثات الدبلوماسية الإيرانية تشكل خطرا داهما على الأمن القومي الخليجي والعربي، وينبغي اتخاذ موقف جماعي حيال ذلك إلى أن تغير طهران من سلوكها في المنطقة، وتتخلى عن نهجها القائم على استهداف أمن المنطقة ونشر الطائفية ودعم الإرهاب.