ما هو الدور الذي يجب أن تقوم به الجامعة لخدمة المجتمع؟

سؤال محير على مستوى المؤسسة من جهة وعلى مستوى المنسوبين من جهة أخرى. أول ما تطالب به الجامعات في مثل هذه الأيام حلّ إشكالات القبول التي يبدو أنها لا تنتهي!

فطالبة تصرخ لأنها لم تقبل ويتعاطف معها متعاطفون، ويلومها آخرون لأنها لم تحصل على درجة مناسبة تؤهلها للقبول، وهذا المشهد يتكرر مثل هذه الأيام ونمر به في المقربين منّا وقت القبول، وبعد الجامعة يصرخ آخر يلوم الجامعة التي تخرج منها لأن تخصصه لم يؤهله للعمل، وحامل الدكتوراه أو الماجستير لا يجد قبولا فيها للعمل، ربما لأن هناك اكتفاء أو غيره.

قضايا التعليم والعمل باستمرار تثير الجدل، ولا تكاد تهدأ إلا لتعود مع كل بداية فصل أو خطأ في قرار أو غيره وغيره كثير.

آخر ما لفت الانتباه قصة دكتورة الصيدلة التي صدر بحقها حكم في بلدها، وبعد ذلك تم طي قيدها كما أعلن، وهو قرار سريع يستحق التقدير، ولكنه يقف بنا على نقطة مهمة ألا وهي ضرورة مراجعة القوانين وتعديلها لخدمة أدوار الجامعة بشكل أكثر إيجابية.

وعندما نبدأ بالأساتذة الذين أثاروا حراكا ما فلا يخفى دور بعض الأساتذة الألمعيين الذين تتجاوز أدوارهم أروقة الجامعة؛ فنجد عطاءهم ممتدا في اتجاهات إيجابية تخدم مجتمعهم وتعزز مكانتهم فيه.

بعض وجوه أساتذتنا كانت تصافحنا في التلفزيون متحدثين ومحاورين، وكتاب نقرأ لهم في الصحف وتدور المطابع لتطبع حبرها على أوراق كتبهم.

كنا نخوض معهم حروبهم في معاركهم الأدبية والنقدية والاجتماعية والسياسية، وانتهت مرحلة دراستنا وسنوات عملهم كأساتذة لكن ما يزالون يصدحون بما يرونه حقا، المشكلة أنهم ليسوا أكثرية، وأن أدوارهم تلك تنبثق من أريحيتهم وحبهم لنفع الآخرين، لكنهم لا يمثلون توجه المؤسسة التي ينتمون إليها، فدور الجامعة الثقافي يأخذ بالتراجع اليوم مع التطور التقني الذي أصبح الفرد مرسلا ومستقبلا وهذا غريب! رغم أن الجامعات تتفاوت إمكاناتها وضخامتها وكثافة الإقبال على بعضها، وأن بعضها لا تزال حديثة عمرها لا يزيد على سنوات معدودة بينما أمضت جامعات أخرى عقودا تقوم بأدوارها، وامتلكت بعضها ما لا تملكه أخرى وامتدت جذورها راسخة في الأرض، هذا يقودنا إلى أن تلك الجامعات -ولنسمها العريقة- كان لبعضها حضور ثقافي مهم تقوم به الجامعة منذ أن تستقبل طلابها الجدد، وحتى مسيرة التخرج، هذا الدور للأسف تراجع وأصبح احتضان الشباب منوطا بمؤسسات أقل قدرة وأقل كفاءة من الجامعات، وربما كان كثير منها تجارا للوهم! ولمعت أسماء جامعات حديثة العهد في مجال هذا العطاء، وكأن هذا يبين مشكلة تعاني منها الأنشطة الثقافية، ألا وهي أنها تنهض بجهد أفراد وتخبو بغيابهم، أو أن البيروقراطية ليست في مصلحة الثقافة!

الجامعة حين تمارس دورها الثقافي فهي تمهد لتقديم قادة للمجتمع تأهلوا على القيادة، فليس دورها التلقين أو الاختبار بمعلومات تجمعت في كتاب أو في ملزمة.

كان لجامعة كجامعة الملك -حين كنا في سنوات الدراسة- أدوار ثقافية رائدة، فقد كنا في النشاط الطلابي نتواصل مع أفراد المجتمع نوجه الدعوات ونقيم فعاليات مميزة، وما زلت حتى اليوم ألتقي بصديقات يتذكرن تلك الأيام بل ويعرّفن أنفسهن بأنهن كن يشرفن على نشاط ما، وتلك المرحلة أعدت صديقات الجامعة لأدوار قيادية مميزة في مجال التعليم وغيره؛ لأنهن ببساطة مارسن العمل التطوعي في فترة باكرة فامتلكن القدرة على التميز والعطاء في كل ما التحقن به.

ما تزال بعض الأقسام في الجامعات تقوم بأدوار في التوعية والتثقيف، لكنها محدودة ولا تمثل ضخامة الإمكانات المتاحة لها، ولعلي في الختام أشيد بدور جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن التي تدفع الطالبات إلى المساهمة بفعالية في أنشطة كثيرة معززة من قدراتهن، ورغم ذلك ما نزال نرجو من الجامعات تقديم التوعية والأخذ بيد الشباب حتى لا يقف الشاب حائرا أمام معدله، أو اختيار تخصصه أو أمام مؤهله متسائلا ماذا أصنع؟!