كثير من الذين حققوا نجاحا في حياتهم، وصعدوا بعد ذلك إلى مناصب أو أماكن مرموقة لم يحلموا بها، ظلوا في معظم أوقاتهم يتحدثون عن كفاحهم، وأن كل ذلك نتيجة العمل والجد والمثابرة و.. و.. و..

‏ونسوا أن هناك آخرين بدؤوا المشوار نفسه، وبذلوا الجهد نفسه، وكانوا أكثر إصرارا وأقوى إرادة، إلا أن الظروف منعتهم من الوصل إلى نفس المكان الذي وصلوا إليه، لكن الغرور الذي يصيب الناجحين أحيانا، يجعلهم يربطون نجاحهم ببعد النظر، وشدة السعي، وقوة الإرادة، ناسين أن هناك عوامل أخرى للنجاح، بعد توفيق الله سبحانه وتعالى.

‏فمثلا، لو سُئلتُ: هل خططت منذ بدء دراستي الجامعية لإكمال الدراسات العليا، لقلت لكم: لا، كنت مثل غالبية البشر، الغاية الوحيدة هي الوظيفة، لكن من حسن الحظ أن الظروف حرفتني عنها، لترسم لي طريقا آخر مختلفا تماما، أقوى من أي غاية قد يرسمه عقلي المحدود، وهذا يعني أن الذي يريد أن يصل إلى هدف ما وهو مؤهل بالصفات التي تؤهله إلى ذلك، سيصل إليه إذا كان مهيئا نفسيا، فعوامل النجاح أنواع، وقدرتك النفسية أحدها، إذا لم تكن مؤهلا نفسيا لن تنفعك الإرادة والصبر والعمل، وستواجه كثيرا من العقبات.

‏فهناك حكمة شهيرة تقول: «يا بني، إن كل شيء مهما كان هينا يمكن أن يكون مستحيلا إذا ساءت الظروف»، ‏وهذا هو الواقع، فمعظم الناجحين لو اعتمدوا على إرادتهم وتجاهلوا ظروفهم النفسية، لربما فشلوا، ‏لكن الغالبية -وأنا منهم- كانوا يسيرون على رسلهم في الحياة بشكل ارتجالي وخال من التكلف، حتى وإن كانوا غير واعين لهذه الحقيقة، فتصرفاتهم الارتجالية التي كانت نابعة من اللاوعي، ربما تكون هي المفتاح الحقيقي لوصولهم إلى هدف ما.

‏رسالتي لكل من أراد أن يخوض تجربة «دراسة أو عمل أو حتى مشروع خاص» لا تتصور أن الإرادة وحدها كافية لوصولك إلى الهدف، إلا إذا كانت قدراتك النفسية مهيئة لذلك، لأن البعض عنده عقدة تسمى سوء الحظ، فهو يتخيل الإخفاق ويتوقعه ويعتقد به، ومر عليّ كثير من المتشائمين بحياتي، ممن يؤمنون بعقدة سوء الحظ ويتكلمون بها دائما، وأنهم رغم كل الجهد الذي يبذلونه والإرادة التي يملكونها، إلا أن الفشل هو حليفهم، وأنهم دائما يخفقون، فمثل هؤلاء غير مهيئين نفسيا للنجاح، رغم الإرادة والجهد والسعي.

‏فكثير من التصرفات الارتجالية الخالية من التكلف والحرص، ربما تفتح لك أبوابا وفرصا لم تكن تحلم بها، إذا كنت مهيئا نفسيا للنجاح. ‏

لذلك، خير ما تفعله، هو أن تنساب أحيانا بشكل عفوي في الحياة، لا تبالِ أن تخطئ، فربما هذا الخطأ العفوي خير من الصواب المدروس الذي تتكلف فيه.