سيظل يوما العاشر والحادي عشر من سبتمبر طائري بوم وشؤم في أوراق التقويم الأميركي ومخيال الأمة الأميركية. هما إعصار القرن التاريخي، إيرما، وانهيار برجي نيويورك. تسمرت لساعات طويلة في اليومين «السابقين» ذاتيهما أمام التلفاز، وبالطبع، اختفت القصة التاريخية لإرهاب نيويورك وحلت مكانها «ميامي». تراجعت مانهاتن في نشرات الأخبار لتظهر سواحل فلوريدا تحت وقع الإعصار المدمر. ليلة صبح الحادي عشر من سبتمبر، توارى السياسيون وذهبوا إلى مطابخهم المنزلية، واختفى محللو ذلك الحدث التاريخي تماماً ليظهر بدلاً منهم خبراء الأعاصير ومراسلو بلدات فلوريدا الصغيرة. أصبحت جزيرة صغيرة مثل «كي لارجو» بمئتي منزل وألف ساكن فقط بؤرة تركيز الإعلام الأميركي في ليلة «ذكرى» غابت فيها جزيرة مانهاتن، أم الأبراج التي تحتضن كما يفاخر الأميركيون عشر اقتصاد الكون بأكمله، في مجرد مساحة هذه الجزيرة. الإعصار فكرة اشتراكية لإعادة تدوير الشهرة.

كيف يحيل المخيال الأميركي كوارث إرهاب البشر ومصائب الأعاصير إلى «بيزنس» وإلى فوائد مالية؟ هنا سأنقل ما استطعت تدوينه من معلومات وأرقام الخبير الاقتصادي الشهير، جون ديفتريوس، على قناة «CNN»: يعتقد هذا الخبير أن ليلة إعصار إيرما ستكون ثاني أكبر ليلة دخل إعلاني لقنوات التلفزة بعد ليلة مباراة السوبر لكرة القدم الأميركية. هو يقول إن ليلة ذكرى الحادي عشر من سبتمبر قد تراجعت إلى المرتبة السابعة عشرة مع تقادم الزمن وتباعد الحادث. تعالوا معه إلى الدخل المادي للأعاصير. يرى هذا المحلل أن إعصاري هارفي وإيرما سيكلفان تكساس وفلوريدا ما يقرب من 300 مليار دولار. لكنه، وهنا المفاجأة، يرى في هذا المبلغ الضخم هبة ونعمة هطلت على هاتين الولايتين بفعل الأعاصير. الإعصار بكوارثه المادية يعمل على إعادة تدوير رأس المال وضخ هذه المليارات إلى حياة الولايتين المنكوبتين. كيف؟ يعتقد ديفتريوس أن ما يصل إلى 80 % من حجم تكلفة الإعادة سيأتي من ثلاثة مصادر بالغة الثراء: الحكومة الفيدرالية وشركات التأمين العملاقة ومن رجال الأعمال والمستثمرين بوصفهم المتضرر الأكبر والمباشر. أبناء الطبقة الدنيا والفقيرة لا يوجد لديهم شيء يذكر في مقياس الخسائر. هو يرى العكس، فأبناء هذه الطبقة هم العمال الذين ستفتح لهم الأعاصير أبواب الوظيفة الواسعة لإعادة إعمار كل شيء. هم أصحاب المهن الدنيا التي تحتاجها إعادة الترميم في الجراحات العاجلة لكل شيء، أو كما وصفها بالضبط: من جراحة اليوم الواحد إلى جراحات الترميم التي تحتاج هذه المهن لسنوات قادمة. قلت في نفسي وأنا أستمع إليه: الإعصار أعظم فكرة اشتراكية لإعادة تدوير الثروة. قدر إلهي لا يحتاج لأكثر من ساعة واحدة في حياة أي مدينة.