لم أجد أفضل من هذا القول المستعار من الشاعر «محمد عبدالباري» لوصف خلاصة ما أتى به باحثون غربيون فيما يتعلق بتأثير الإعلام على المتلقين، النص يكتبه الإعلامي ولكن تأويل وفهم وتفسير النص فذلك أمر متروك للمتلقي، وبالتالي لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال الحكم بيقينية التأثير أو قياسه بشكل دقيق جدا. وحتى تلك الخطابات الجماهيرية التي تشاهد أو تُسمع في مجتمعات وثقافات جماهيرية لا يمكن التأكد من تقليدية أو خطية تأثيرها على المتلقين، مهما كان مستوى جهلهم أو تعلمهم، تدينهم أو علمانيتهم، انفتاحهم أو انغلاقهم. وهناك العديد من النظريات الإعلامية المهتمة بالتأثير أشهرها «التشفير وفك التشير» لستيوارت هول، و«الغرس الثقافي» لجابنر وغروس، اللتان تشيران لتعدد عوامل تأثر الناس، وأن سببية علاقة الإعلام بالتأثير أمر يشكك به ولم يعد مقبولا كما هو الوضع مع بدايات الصحافة في القرن الثامن عشر.

اتفقت معظم المدارس البحثية الإعلامية على أن هناك عوامل أخرى تسبق أو تتزامن مع الإعلام في التأثير على الناس مثل التعليم، والتدين، والمجتمع، والسائد ثقافيا، والعائلة، والأصدقاء والتجارب الشخصية وغير ذلك. ولكن هناك حالات قد يتوافق فيها ما لدى الشخص مع محتوى الإعلام، فيعزز الإعلام أفكاره ويكون التعزيز نوعا من التأثير، وهناك حالات يكثف الأفراد فيها تعرّضهم للإعلام، فيحدث نوع من التأثير بسبب كثافة وكثرة التعرض للمحتوى الإعلامي، أضف إلى جميع ما سبق تباين تقسيم الجماهير وفقا لأعمارهم وجنسهم، وتداخل ذلك مع التأثير، حيث قد تكون فئة كالمراهقين أو الأطفال أكثر عرضة من غيرهم للتأثر بمحتوى معين. ولكن، حتى بالنظر لكل تلك التفاصيل تظل هناك أمور لا يمكن التنبؤ بها، ويظل نقد أو رفض الأشخاص لمحتويات النصوص الإعلامية احتمالا واردا وقائما، وكل نص إعلامي مهما كان محكما، ومهما كانت الوسيلة الناقلة له جيدة، فهو عرضة للنقد والرفض لأسباب كثيرة لا يمكن حصرها. وهناك العديد من الأمثلة على استقراء الجمهور لمحتوى معين بشكل لم يخطر على بال الناشر، لذلك نعم النص للإعلامي أما تأويله فلا.