جملة «كاد المعلم أن يكون رسولاً» تقال تشريفاً وتكريماً للدور العظيم الذي يؤديه المعلم، وإلا فالمعلم في حقيقة الأمر لن يكون رسولاً كريماً بأي حال، لكن من الممكن له أن يقترب كثيراً من هذه المرتبة أو أن يبتعد عنها كثيراً، من الممكن أن يظل سائراً إلى الأمام أو أن يتقاعس ويعود أدراجه، وما يحدد وجهته هو قيمته ومكانته في المجتمع، إن كان المجتمع ينظر إلى المعلم أنه يؤدي رسالة عظيمة فسيظل سائراً إلى الأمام، إلى تلك المرتبة السامية، أما إن كان المجتمع يتعامل مع المعلم على أنه مجرد موظف أجير فسيتقاعس المعلم عن السير ويعود أدراجه، لكن يعود إلى أين بالضبط؟ ما الدور المراد من المعلم أن يؤديه حينها؟، الجواب باختصار: أن يكون مجرد موظف أجير، يلتزم بالحضور والانصراف، وينقل ما في المنهج إلى السبورة دون المرور بعقل الطالب.

إن المعلم في الأخير ليس نبياً مُرسلاً معصوماً عن الخطأ، بل هو إنسان خطاء، وإنه اليوم موظف في مؤسسة ويتقاضى آخر الشهر راتباً وقدره نظير أعمال محددة يؤديها، على هذا الأساس لابد أن يتم تقييمه بشكل دوري، لابد أن يحاسب إن أخطأ ويقوم إن انحرف عن الطريق، الإشكالية ليست هنا، إنما في كيفية المحاسبة والتقييم، هل تُوكل عملية المحاسبة والتقييم للمجتمع ولأولياء الأمور وللطلبة أم لجهة رسمية محددة؟ هل يُوبخ علناً وعلى الملأ، أم يوبخ سراً وبشكلٍ صارم؟ صحيح أن المعلم موظف، لكنه يشغل ذلك النوع من الوظائف التي لا يجوز المساس بها، الوظائف التي ينبغي الحفاظ عليها كقيمة في المجتمع، كرجل الأمن مثلاً رغم أنه موظف لكن إن تم التعامل معه على هذا الأساس فقط فالنتائج حينها ستكون كارثية على المجتمع ككل، لأن الأمن منوط بأن تكون لرجل الأمن قيمة وهيبة فإن غابت هذه القيمة غاب الأمن، وهذا مثال فقط وإلا فقيمة المعلم أعلى وأرقى كونها من قيمة المجتمع ذاته، بمعنى لا قيمة لمجتمع قيمة المعلم فيه مهزوزة.

لقد كان المعلم السعودي–رغم الأخطاء- سائراً بشكلٍ صحيح إلى أن اعترض طريقه سيل من التخبطات الوزارية، هذا يوجهه وذلك يقومه وثالث يحقق معه إن دعت الحاجة، وكثيرا ما تدعوا الحاجة إلى أن يتم التحقيق معه، كأن يعاتب طالباً أو يوبخه لسوء سلوكه أو أن يُرسِب طالبا في إحدى المواد لشدة إهماله، وهكذا نجحت الوزارة في نزع العصا من يد المعلم «وهذا مما تُشكر عليه»، لكن العصا في الأخير استقرت بين يدي الطالب وولي أمر الطالب ويد المجتمع برمته، حتى أصبحت عملية محاسبة المعلم تمارس على شاشات التلفاز وفي الصحف وتتداولها مواقع التواصل، وكأنها مادة قابلة للهضم الإعلامي في أي وقت، «واللي ما يشتري يتفرج».

ليس المطلوب اليوم أن تعود العصا إلى يد المعلم، لكن المطلوب وللأسف أن يتم نزع العصا من يد المجتمع، المطلوب ألا يتم التعرض لأخطاء المعلم إلا في أماكن مغلقة بإحكام ولا ينفذ منها شيء إلى العلن، المطلوب ألا يتم تصوير المعلم على أنه المشكلة التي لابد لها من حلول فورية، صحيح أنه لا بد من صيانة كرامة الطالب ومراعاة نفسيته بشتى الطرق، لكن دون المساس بجانب المعلم كي لا تنهار المنظومة التعليمية على رؤوسنا أكثر، وانهيارها أن يتحول التعليم إلى مجرد عمل روتيني ممل جداً سواء بالنسبة للمعلم أو للطالب.

إنني لا أكتب هذا الموضوع لأجل المعلم أو دفاعاً عنه، إنما لأجلي أنا كولي أمر يهتم بأمر أبنائه، ولي أمر لا يتمنى لأبنائه معلماً يشرح المعلومة ورأسه مليء بالهموم والقرارات تحاصره من كل اتجاه، ولي أمر لا يريد لأبنائه أن يكون شغلهم الشاغل تصيد زلات المعلم، وحتماً لا أريدهم أن يقفوا موقف الند للند أمام معلمهم، ولي أمر يدرك أهمية تطوير المناهج وتهيئة المباني المناسبة، ويدرك أهمية إدخال التقنية في مسارات التعليم، لكنه يدرك أيضاً أنه لا قيمة لكل هذا إن كان المعلم بلا قيمة، ثم إنني أكتب هذا الموضوع كمواطن يهمه أن يعيش في مجتمع لا ينشغل أفراده بحساب عدد أيام إجازات المعلم، وكم يستلم شهرياً، وماذا يعمل بعد صلاة الظهر، مواطن يهمه ألا يعيش في مجتمع يترك أفراده كل شيء ويبحثون في ملة المعلم ودينه، هل هو إخونجي أو سروري أو ربما لاديني!.

وبمناسبة الحديث عن السرورية والإخونجية الدائرة هذه الأيام، إننا لو بحثنا حولنا فسنجد أباءً يحملون أفكاراً تحزبية، وسنجد رجال أمن يخطئون أثناء ممارسة مهامهم ، لكن المجتمع يرفض تماماً فكرة الحط من قيمة الأب بعذر وجود آباء يحملون فكراً متطرفاً أو لأنهم يعنفون أبناءهم، والداخلية ترفض بشكل قاطع التعرض لقيمة وهيبة رجل الأمن بحجة أن فيهم من يُخطئ، لكن يبدو أن أمور وزارة التعليم بالتساهيل، ويبدوا أنها ستظل بالتساهيل إلى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه البعد عن مهنة التعليم مما يُحمد الله عليه.