كلما رأيت قوائم أقوى النساء العربيات تمنيت أن تحجز خانة اسمها «امرأة سعودية» تكريما لها كما يكرم الجنود ولو كانوا مجهولين، إلا أنها ليست مجهولة بل معلومة، ولكن عدد النساء الرائعات ملايين!

أقول هذا عندما رأيت ردود فعل النساء، من بكت، ومن فقدت قدرتها على التعبير عن مشاعرها، ومن استرجعت تاريخ النساء ومن تبادلت التهاني مع غيرها في ليلة فرح للمرأة من المرأة وللمرأة.

تهلهلت لغة السخرية، وتداعت لغة التجريم، وذابت كل تهم التخوين، وأصبح «الأصل في الأمور الإباحة»، وواقع الحال أن المرأة تعاطت بشجاعة لا مثيل لها مع المرحلة الماضية، وهي قادرة ولا شك على مجابهة كل التحديات، وهذا مدخل أختمه بتهنئة كل امرأة فرحت لهذا القرار، ولأشكر كل امرأة على وجه الكرة الأرضية فرحت وأرسلت حبها وتحيتها وتأييدها للمرأة السعودية.

الموضوع الذي يعنيني بعد إغلاق ملف القيادة هو ملف بالغ الأهمية وهو ملف الأسرة، هذا الملف لا أعني به الأسر المستقرة، بل الأسر التي فيها معاناة من نوع ما لا تستطيع الأسرة مواجهته، بل تحتاج إلى دعم لتجاوزه، وسأضرب أمثلة ببعض المناشدات التي تطالب بعلاج أمراض في مراحل لا حل لها أذكر مثلا الزهايمر، أو أمراض علاجها متوفر كالأب الذي استنجد لعلاج ابنه من حروق في الوجه من الدرجة الأولى وكان الابن في غرفة بالمستشفى أي يتلقى العلاج!

مثل هاتين الحالتين تجير للقلق النفسي الذي يصيب أقارب المريض أو المصاب فيعجزون عن تقبل المرض، من جانب آخر هناك إجراءات لو لجأ إليها بعضهم لكان طريقها أسرع وأنفع فائدة.

كيف تتعامل الأسرة مع قضايا اقتصادية كإدارة موارد الأسرة، أو كزواج القصر، أو الأبناء المراهقين خاصة الأسر التي غاب عائلها الأب لترمل أو طلاق وهو الأكثر، وكيف تتعامل هذه الأسر مع ملفات خطيرة كالإدمان، أو كيف تعامل الأسرة قليلة الوعي ابنا يعاني من مرض عقلي دون أن يؤذيها أو أن تحبسه!

وأنا أكتب هذا الكلام تصدر الحديث في وسائل التواصل وفي الإعلام عن قرب صدور قانون التحرش في المملكة، وهو خطوة عظيمة ذكرتني بمعاناة مهمة، وهي إيذاء القصر، وفي أكثر الدول انفتاحا على الحقوق يخشى المتحرشون من عقوبات أذية القصر المغلظة فيها فيتجنبون أذيتهم.

تذكروا أن كثيرا من الذين آذوا القصر يفعلون ذلك لأن الأسر تتكتم على من يفعل هذا بأبنائها خوفا على مستقبل الولد، أو أن يلقى بالبنت المغرر بها في دور الرعاية، وتبقى هناك حتى تموت وتعتبر سجينة بينما هي الضحية والمتحرش يبقى طليقا يردي بضحية أخرى!

الوعي اللازم لمجابهة المشاكل الاجتماعية، والنفسية، والصحية، والبيئية وغيرها مما يقع على الأسرة، وتوجيه رسالة اجتماعية للأسرة ألا تنغلق على نفسها؛ بل أن تذهب للجهات الاستشارية التي تساعدها.

إحدى صديقاتي وهي سيدة متعلمة وواعية جدا، تحدثني عن استفادتها من دورات كانت تقدم في مركز الخدمة الاجتماعية القريب من بيتهم، حديثها لي أعاد إلى الذهن بداية مراكز الخدمة الاجتماعية، فوجئت صديقتي عندما أخبرتها أن مركز الخدمة الاجتماعية بالرياض كان موجودا من عهد الملك فيصل، وأن سيدة فاضلة لا ننساها أظنها كانت فلسطينية أو سورية وكان اسمها أبلا هدية -رحمها الله أينما كانت-

كانت مديرة للمركز، وأن مركز الخدمة كان يزور البيوت ويعلم النساء -الأميات وقتها- أساسيات في النظافة ويقدم توجيهات سريعة ويجتذب الأسر للمركز بدورات ومسابقات تقدم الأواني المنزلية والأدوات الكهربائية كهدايا للمسابقات.

ما تزال مراكز الخدمة تعمل، ولكنها تحتاج لدعم ولحضور أكثر في خدمة الأسرة. نموذج لحاجات نحتاجها كأسر في المرحلة القادمة، ولا يخفى وجود لجان مشكورة كلجنة رعاية أسر السجناء، ولا نهمش جهد الدولة في كثير من المجالات، لكن دور مؤسسات المجتمع المدني التي تخدم الأسرة بشكل عام وحاجاتها ضرورة مرحلية، يمكن أن يكون في كل حي بجوار حديقة الحي «مركز الحي» الذي يقدم المشورة والمعونة لأهله، ويوجه من يريد فعل الخير للأسر التي بحاجة له فعلا وهي هنا معروفة وموثقة، ويكون مركزا للعمل وللتطوع أيضا، ولا مانع أن يكون مركز الخدمة مرتبطا به.

وبهذه المناسبة تحية وتقدير لما تقوم به معظم المدارس من متابعة الطالبات، وتقديم الدعم للأسر من خلال ميزانية المدرسة، وهذا جهد يخفى على من هو بعيد عن مجال التعليم، بل إن أعرف النساء بالأحياء هن الأخصائيات الاجتماعيات بالمدارس.

لا أدري ما القادم وبالتأكيد هو أجمل؛ لكن ما حدث في هذا الأسبوع أعاد المرأة السعودية للصدارة على صفحات جرائد وإعلام العالم، شكرا للقيادة التي حلت ملفات شائكة رفض نقاشها أو امتنع عن التصويت عليها عدد لا يستهان به من أعضاء مجلس الشورى، وحلت بقرار واع؛ ولأن العهد سلماني فالرؤية تتحقق قبل أوانها.