في محاولة لوزارة التعليم نحو تطوير منهجها في إدارة المحتوى التعليمي وفيما تقدمه لطلاب وطالبات التعليم العام في الساعات اللاصفية والمضافة إلى الجداول النظامية للمقررات فيما يعرف بساعات النشاط المدرسي، قامت الوزارة بطرح إضافة ساعة نشاط لا صفية للجدول الدراسي لتزيد من عبء إدارتها ومسؤوليتها حول ما يجب أن تتضمنه تلك الساعات من محتوى تعليمي مفيد، سواء كان يهتم بالجانب المعرفي والاجتماعي أو الثقافي أو الديني أو غير ذلك من أوجه ومجالات النشاط التي يمكن أن تكون مادة زاخرة لساعات النشاط السابقة بداية والمضافة أخيرا، والذي يتطلب بدوره زيادة وقت اليوم الدراسي ساعة إضافية، هذا إذا لم يكن التنفيذ يعني اختزال جزء من حصص المقررات النظامية لتتوفر لتلك الساعة المضافة، في ظل عدم المتابعة لآلية التنفيذ وفي ظل الاعتراض الذي تولد لذلك الطرح.

وفي ضوء ما يعانيه تعليمنا من انزلاقات في نظامه التعليمي في السياسات المتخذة والإجراءات التابعة لها، والتي أخفقت كثيرا في تطوير التعليم بجميع منظومته وأدواته وما يتضمنه من موارد بشرية ومواد علمية ونشاطات مختلفة وبنُية تحتية للمدارس وبيئات تعليمية غير محفزة على التعليم، بل مُثبطة له في كثير من الأحيان، والتي أفرزت العديد من الأحداث التي تم تداولها إعلاميا، والتي تشير إلى أننا حتى الآن لم ننجح في زرع قيمنا الأخلاقية ومبادئنا الدينية والاجتماعية والتربوية في أبنائنا وبناتنا من الطالبات لتكون ثقافة عامة وسلوكا اجتماعيا يمارسونه في حياتهم العامة والخاصة، بل وفي حياتهم العملية لاحقا؛ فإنه كان من الأجدى والأهم لوزارة التعليم أن تستثمر ساعات النشاط السابقة واللاحقة حديثا في تفعيل وتأصيل الكثير من الممارسات السلوكية والاجتماعية التي لم نُفلح في بنائها لدى طلابنا من خلال المقررات الدراسية الإلزامية؛ وبأن يتم تحديد محتواها المعرفي وآلية تنفيذه وتطبيقه في مختلف المدارس، بما يتواءم مع الخبرة المعرفية للطالب وسنه ومرحلته التعليمية، وذلك مع الأخذ في الاعتبار بأهمية التأهيل المسبق لمن يقومون بتلك الأنشطة ويتحملون مسؤوليتها من المعلمين والمعلمات في المدارس، بإجراء دورات سريعة لهم وورش عمل تتضمن تزويدهم بملفات تعليمية لنشاطات وموضوعات مفيدة مختلفة يستهدف زرع محتواها لدى الأبناء وبما يخدم الهدف منها، هذا إذا كان هناك هدف واضح!.

غير أنه استكمالا للدور الذي طرحته الوزارة بداية حول ساعة النشاط التي قدمتها مبتورة من أي مقومات تعليمية صحيحة أو أهداف تشير إلى إن هناك توجها إيجابيا مُقنِعا وخلفية مدروسة نحو طرحها، بداية بمسؤوليتها حول مضمون تلك الساعة وما يجب أن تحتويه، وتركت الحرية لإدارات المدارس ومعلميها حول مضمون تلك الساعة (كما أعلنت)، وذلك في إجراء يوحي بأن الوزارة تدفع بالمدارس نحو تطوير نفسها والنهوض بطلابها بما تجود به إدارتها ومعلموها من أفكار ومحتوى لتلك الساعة المضافة؛ وذلك إجراء لا ينُم عن أي إدراك لطبيعة ما يجري فعليا في ساعات النشاط اللاصفي في المدارس، وكيفية الاستفادة منها، وهل تولد عنها إبداعات ونشاطات قيمة تضاف إلى الرصيد المعرفي المفيد لدى الطلاب، أم أنها ليست سوى ساعات مكررة لمحتوى المناهج في بعض مضمونها الفني والديني وغيره.

كان الأحرى بالوزارة أن تعُد العدة لهذا الطرح منذ إعلانه بأن تجهز ملف كامل يتضمن محتوى هذه الساعة المضافة بجميع ما تشتمل عليه من معلومات معرفية ومهارات تجريبية وقدرات ومهارات مستهدفة، بحيث يمكن من خلالها نقل الطلاب من جوّ الدراسة الرتيب والممل إلى أجواء أكثر مرونة وإشراقا، ويتم خلالها إكسابهم معلومات معرفية ومهارات وقدرات متنوعة عجزت عن توصيلها مناهج المقررات الدراسية الإلزامية، ومن تلك الموضوعات التي يمكن تضمينها في تلك الساعة المضافة على سبيل المثال لا الحصر: الفساد وآلية محاربته ونتائجه الوخيمة على المجتمع، الإرهاب وأشكاله وأسبابه والوقاية منه ونتائجه المدمرة، المخدرات والتوعية بها وبأضرارها ونتائجها، الإسعافات الأولية وكيفية ممارستها، الغذاء الصحي وأهميته، أنشطة رياضية متنوعة تهيئ لها البيئة المناسبة، لغويات مختلفة لإكسابهم قدرات ومهارات جديدة، فنون مستحدثة متنوعة (غير التدبير المنزلي وملحقاته الذي يمارس الآن)، طرق متقدمة في الرياضيات والعلوم والتقنية، ثقافة العمل وأخلاقيات المجتمع، أسلوب الخطابة والتدرب عليها، تأصيل الوسطية بعيدا عن التطرف وسلبياته، أدب الحوار والقبول بالطرف الآخر المختلف فكرا وأصلا، وغير ذلك من الموضوعات التي تحتاج التوجيه لها وبما يتلاءم مع المواهب والقدرات المختلفة من جهة، وبما يخدم رؤيتنا التنموية وتوجهاتنا المستقبلية في ظل ما نواجهه من تحديات مختلفة، وبما يضيف علوما ومهارات وثقافات تفتقدها المقررات الدراسية، بحيث تكون هناك حلقة منظمة وفرق متعاونة لتفعيل تلك الساعة بأفضل عطاء، وبذلك نستطيع أن نقول إن وزارة التعليم بدأت تسير في المسار الصحيح ووضعت الخطة المدروسة للنهوض بالتعليم وآليته.

ومما تجب الإشارة إليه أنه وبعد طرح قرار ساعة النشاط المضافة التي لحقها الكثير من النقد المجتمعي والتعليمي، بسبب إدراك الجميع ما يجري في ساعات النشاط السابقة، وعدم وجود البيئة التعليمية والمدرسية المؤهلة لتحمل مسؤولية الارتقاء بمضمون تلك الساعة، ما لبثت أن بادرتنا الوزارة مؤخرا بتوضيح متضمن طرح «الدليل التنظيمي لحصة النشاط» والذي أجادت في إعداده نظريا، والسؤال كيف سيكون تطبيقه عمليا في ظل الإمكانات المتاحة في المدارس، سواء البشرية أو المادية؟!

لا يمكن أن تتُخذ هكذا قرارات «بداية» خالية من المسؤولية التربوية والتعليمية والتوجيه المقنن حول مضمون تلك الساعة ليُبدع فيه الإداريون والمعلمون بما تجود به أفكارهم ورؤاهم، والسؤال الأهم هل تضمن الوزارة أن جميع منسوبي التعليم قادرون على إدارة دفة تلك الساعة بما هو مخطط لها وما تستهدفه الوزارة؟!، وهل يملك الجميع تلك الأفكار الإبداعية لطرح مواضيع ومحتوى له مردوده الإيجابي، وهل يتم استثمارها تربويا ومعرفيا بما يبرر جدواها؟ وهل تعلم الوزارة أن هناك الكثير من المدارس اعتبروها حصة فراغ أضيفت لجداول المدرسة لذلك كان التذمر.

والتساؤل الأكثر إيلاما، هل يمكن أن ننجح في تطوير تعليمنا والنهوض به ونحن نفتقد إدارة المنظومة التعليمية وبما تحتاجه من إعداد وتجهيز مسبق ومدروس لما يتم طرحه من سياسات وبرامج؟!، وما ساعة النشاط المضافة تلك إلا غيض من فيض نشهده، لا يمكن أن نحقق شيئا من التميز والتحسين في مخرجاتنا التعليمية ونحن ننتهج ذات السياسات الارتجالية والمتناقضة وغير المدروسة... ومما يجب التنويه إليه بأن الإشكالية ليست في الساعة المضافة ولسنا ضدها، ولكن الإشكالية في أنه تم طرحها بداية دون الإعداد الفعلي المسبق لها والمدرك لواقعنا، وبما يمكننا تحقيق الكثير مما نصبو إليه في تمكين طلابنا منه، ولا نجد الفسحة في مقرراتنا له، فتكون تلك الساعات هي مكانه ومصيدته.

وعلى الرغم من جودة الدليل «الدليل التنظيمي» الذي تم طرحه منذ أيام نظريا، إلا أنه يؤكد أن الوزارة ما زالت بعيدة عن طبيعة الواقع التربوي والتعليمي الذي يعيشه تعليمنا وبيئتنا التعليمية ونظمنا الدراسية وطبيعة ما نواجهه من تحديات، والذي يؤكد أن ضعف إدارة منظومة التعليم ومستوى جودته وتفريغه من أهدافه التربوية تركت بصماتها لدى أبنائنا، والذي كان له الدور الأهم في طبيعة إخفاقاتنا وقصورنا في تحقيق أهدافنا التنموية.