على مرّ العصور، هناك حملات اتصالية وإعلامية تفشل بشكل سيئ ومكشوف، وذلك لأسباب مختلفة، أحيانا لكونها غير أخلاقية، أو كونها مدعومة من جهة خارجية أو جهة معادية، أو لأنها تفتقر إلى أدنى معايير المهنية والموضوعية.

فشل هذه الحملات قد يعود إلى الموظف المسؤول عنها وليس بالضرورة إلى الشركة التي ترعاها، ومع ذلك فإن عواقبها تضر بالشكل الأكبر الشركة ككل، إذ تتعرض للخسارة المادية وفقدان السمعة والثقة والعملاء، ويصبح احتمال تعافيها من هذه العواقب شبه مستحيل.

إحدى هذه الحملات الفاشلة كانت من نصيب شركة العلاقات العامة الأشهر في بريطانيا «بيل بوتنجر»، الشركة التي رعت حملات دولية كبرى بعضها في دول عربية، قامت بتوقيع عقد مع عائلة ثرية في جنوب إفريقيا «الجوبتا» بقيمة نصف مليون ريال شهريا، استمر أكثر من عام ونصف العام، وكان سبب هذا الاتفاق بين عائلة «الجوبتا» والشركة البريطانية هو تسريب إيميلات لأحد رموز العائلة يتضح فيه مدى سيطرتهم على حكومة جنوب إفريقيا، وتأثيرهم الكبير على أصحاب القرار، مما تتسبب في اشتباكات وانتقادات متكررة ضد هذه العائلة.

وكان الهدف من هذا العقد أو هذه الحملة هو تشتيت انتباه الناس عن الإيميلات المسربة وإبعاد عائلة «الجوبتا» من ساحات الجدل والرأي العام في تلك الدولة.

قامت شركة «بيل بوتنجر» بدورها بتنفيذ حملة ضخمة تهدف إلى إثارة النعرات العنصرية بين السود والبيض بالتركيز على الجانبين الاجتماعي والاقتصادي في جنوب إفريقيا. كان ذلك في البداية عن طريق غرس وتكرار عبارات مثل «احتكار البيض» أو «هيمنة الأبيض»، من خلال كتابة خطابات تحريضية حول هذه الإشكالية بين السود والبيض، وتوزيعها على جماعات سياسية إفريقية بعينها، كما أنشأت «بيل بوتنجر» حسابات تويتر وهمية للاستمرار في إشعال الفتيل، وقد اتُّهِمت أيضا بأنها تدفع مبالغ مالية لأشخاص سود، كي يقوموا بالاعتداء على مواطنين بيض في الشوارع والأسواق العامة.

يذكر أن ما قامت به «بيل بوتنجر» لم يكن سوى إبراز إشكالية موجودة بالفعل، وهي عدم المساواة بين السود والبيض، إذ إنه ما زال الأبيض حتى اليوم يستلم مرتبا يفوق قرينه الأسود بـ6 مرات على الأقل في جنوب إفريقيا، وما زال أقوى الماركات وأبرز الأسواق يديرها البيض لديهم، وهذا يشير إلى أنه حتى إذا اعتمدت حملة العلاقات العامة التلاعبية على معلومات حقيقية، فإن طريقة ووقت عرض هذه الحقائق تجعلها عرضة للاتهامات.

بعد مضي أكثر من 16 شهرا على الحملة، كشف سياسي ملابساتها في برلمان جنوب إفريقيا، ووصل الأمر إلى أكثر من جهة في جنوب إفريقيا وبريطانيا، واتخذت بالتالي العديد من الإجراءات ضد «بيل بوتنجر»، أبرزها كان الحظر من عضوية «الجمعية البريطانية للعلاقات العامة» لـ5 سنوات على الأقل. كما تقدم عدد من أصحاب رؤوس المال في الشركة ببيع أسهمهم، مما دعا مخاوف الإفلاس ودفع الشركة إلى فصل فروعها في دبي والبحرين وهونج كونج وبقية العواصم عن الفرع الرئيسي في لندن الذي يعتقد بشكل كبير أنه لن يتعافى من تبعات هذه الأزمة مطلقا.

باختصار، في المجال الإعلامي، التلاعب يكشف ولو بعد حين، والمخاطرة بالسمعة -وإن كان من مكتب أو موظف واحد بعينه- قد تؤدي إلى عواقب وخيمة على كل الشركة، بكافة فروعها، وبغض النظر عن تاريخها وشهرتها ونجاحها.