تنفق الدول والحكومات ملايين الدولارات على المشاريع الاقتصادية لتصنع باقتصادها تاريخها السيادي، فالاقتصاد، وقوامه المشاريع الناجحة، أداة سيادية تمنح صاحبها القدرة على التحكم والسيطرة عالميا، فالهيمنة العالمية لا تفرضها الدول التي تعاني ضعفا اقتصاديا. هذا ما أدركته القيادة الشابة في المملكة، ممثلة في سمو أمير الرؤية الشاب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، أيده الله.

ولأن القول لا يغني، إذا لم تدعمه الأفعال الجادة، وحتى لا تكون رؤية المملكة 2030 حبرا على ورق، فقد رأى سموه أن تشرع المملكة فعليا في تقليص الاعتماد على النفط، وهو ما صرح به سموه قبل عام من اليوم، وقبل أن يتم العام بدأنا فعليا نشهد ولادة مشاريع جادة تحقق تلك الغاية، بدأت بالإعلان عن الاستثمار في السياحة من خلال مشروع البحر الأحمر، ثم جاءت ولادة مشروع نيوم، لتضع العالم أمام خطوات جادة متلاحقة للنهوض بالاقتصاد السعودي بعيدا عن النفط.

وفي الوقت الذي احتفل فيه المواطنون الشرفاء بإعلان القيادة عن تلك المشاريع، ظهرت للساحة أصوات نشاز، تتعجب مما تسميه هدرا للمليارات، وتقارن بين ما تنفقه إيران على التسلح وما تنفقه المملكة على المشاريع. والحق أن أمثال هؤلاء الجهلة، وهم لا يمثلون إلا أنفسهم، لا يدركون الفرق بين الحالتين وبين القيادتين، فالمملكة تنفق على الاقتصاد وهو قوة عطاء، في حين تنفق إيران على التسلح وهو قوة هدم.

لقد عودت القيادة السعودية العالم العربي والإسلامي على أن تخطط وتنفذ وتتحمل التكاليف الباهظة من أجل الجميع لا من أجلها فقط، وهذا واضح في سياسات المملكة الاقتصادية منذ الأزل، فمشروع جسر الملك فهد مثلا، لم تتحمل السعودية تكلفته من أجلها، بل من أجل الخليج العربي كافة. واليوم تقدم المملكة مشروع نيوم، الذي يربط القارات الثلاث، هبة استثمارية للعالم العربي أجمع، لا لشعبها واقتصادها فقط.

الفرق بين المملكة وإيران أن إيران تنفق لتسود هي العرب، في حين تنفق المملكة ليسود العرب، فمشروع نيوم استثمار اقتصادي للدول العربية، والمملكة حين تفكر في الاقتصاد والسياسة تفكر بعقل الأم التي لا تستأثر لنفسها بشيء دون أبنائها، وهذا -في الواقع- هو سر المحبة والإجلال الذي تجده القيادة والشعب السعودي أينما حلوا وارتحلوا، وهو أيضا سرّ هذا النبذ والاجتواء العالمي الذي تعيشه إيران.

على الشعب السعودي الوفي أن يتجاوز هؤلاء الحاقدين الحاسدين وأمثالهم، وأن يثق بقيادته التي عودته، عبر تاريخها الطويل، على أنها ماضية فيما اختطه لنفسها من الريادة العربية، وأنها ساعية أبدا إلى الهيمنة العالمية، التي يدرك الجميع أن قوامها الاقتصاد، وليس السلاح وحده.

ثم إن المملكة، ومن خلال الأزمات العربية البعيدة والقريبة من حدودها، تبرهن دائما على قوة عسكرية جبارة، ليس غايتها الذات، بل الوحدة العربية، فهي لم تتردد يوما في دعم العرب والوقوف معهم عسكريا منذ الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، ومن يقرأ التاريخ يعرف أدوراها المتلاحقة في لمّ الشمل العربي، ورأب التصدعات بكل ما أوتيت من قوة، حتى القوة العسكرية، حين لا يكون للحل خيارات أخرى.

نحن جميعا متفائلون، ومتمسكون بحقنا في القيادة والسيادة، حريصون مع قادتنا على تحقيق كل الطموحات الكبيرة، وسوف يكتشف المرجفون لاحقا أن العيب في وعيهم وإدراكهم للخطط، لا في الخطط ذاتها، وهذا عيب شخصي، والمملكة أبعد ما تكون عما هو شخصي، ذاتي.