هدر المال العام لا ينحصر في الفساد، هناك ممارسات نظامية تسهم في هدر الموارد وتبددها دون أي قيمة مضافة..

والذي يضاعف الضرر أن الهدر يتجاوز المال والموارد نحو الطاقات البشرية، والقدرات، وتضارب الصلاحيات، ونحو الوقت، ويشتت الجهود، ويضعف الإنتاجية لدى المؤسسة والفرد..

خذ لديك قضية «الاحتفالات المدرسية» التي تبدأ منذ اليوم الأول للدراسة وحتى اليوم الأخير.. ربما للأمر علاقة بالتقاليد الطارئة التي أرهقتنا، وقلت هذا غير مرة، إذ إننا أصبحنا مجتمعا مغرما بالاحتفالات.. يسكن الإنسان منزله فيقرر إقامة حفلة.. يتخرج ابنه فيقيم حفلة.. يسكن جاره الجديد فيقيم حفلة.. يعود ابنه من الخارج فيقيم حفلة.. يفوز فريقه المفضل بالبطولة فيقيم حفلة.. يحصل الموظف على ترقية فيقيم حفلة.. يتم نقل المعلم إلى منطقته فيقيم حفلة.. تحصل المرأة على طلاقها فتقيم حفلة.. يشعر الإنسان بالفراغ فيقرر إقامة حفلة!

على أي حال المجتمع قادر على علاج نفسه بنفسه، لكن حينما تتم «مأسسة» هذه الحفلات، والتشجيع على إقامتها في مدارسنا فنحن أمام هدر يتوجب الحد منه..

بعض المعلمين يحدثونك أنه كلما كثرت احتفالاتك وتميزت، أصبحت كفاءة مطلوبة يتوجب نقلك إلى مدرسة لا يعرف منسوبوها الاحتفالات و«الهياط الممنهج»!

حينما كنا طلابا في المدارس لم نكن نعرف سوى حفل مسرحي واحد تقيمه مدرستنا نهاية العام الدراسي، ننتظره طوال العام.. لقد كان أشبه بيوم العيد!

الناس اليوم يحدثوننا عن احتفالات كثيرة.. منذ اليوم الأول حينما يتم التعاقد مع الفرق الاستعراضية والمهرجين، ويتم تبديد الموارد في الهدايا والتكاليف.. ويوم المعلم.. ويوم اللغة العربية.. واليوم المفتوح.. وأيام كثيرة، وبرامج وخطط نشاط مبتذلة.. يتم تقييمها، وبالتالي تقييم أداء وتميز المدرسة وفقا لهذه البرامج!

يا وزارة التعليم.. هل تحولت مدارس أبنائنا وبناتنا إلى قاعات احتفالات!