في غالب المجتمعات الشرقية، لا تستطيع أن تثني على شخص أو تذكره بالخير بحرية تامة، دون أن تضع نفسك في دائرة الشبهة، إلا في حالتين: إما أن أن يتجرد من مناصبه الحكومية، ويحال إلى التقاعد، ويذهب إلى منزله، وقتها تستطيع أن تقول ما تريد بحرية واطمئنان، دون أن تضع نفسك مثار شبهة أو انتقاد أو شك!.

أو -وهذه الحالة الثانية- يموت الشخص، وبالتالي تتحدث عنه بحرية تامة، وتقول فيه وعنه ما تشاء من ثناء.

- «رهاب اجتماعي».. هذا الواقع.. يعترينا الخوف حينما نريد أن نثني على أحد وهو على كرسي المسؤولية. ننتظر رحيله. إما عن الكرسي أو عن الحياة.

نامت «عسير» ليل الأحد حزينة، توشحت بالسواد، لانطفاء كوكبة من كبار مسؤوليها ومرافقيهم، في لحظة واحدة. في حادثة سقوط الطائرة التي كانت تنقلهم لأداء مهامهم الوظيفية. كانت مشاعر الحزن واضحة تماما على الرغم من سواد تلك الليلة. بل إنني لا أتذكر مشاعر تدفقت بهذا الحجم والحزن لوفاة مسؤولين حكوميين. كأنما دموع عسير انهمرت لتغسل ضحاياها.

حينما كتبت في حسابي في «تويتر» عن اثنين من الذين تربطني بهم علاقة وصداقة، فوجئت بالناس كلها تتحدث عنهما بمشاعر حب وإعجاب كبيرة. عاودت البحث؛ فوجئت بسيل من التغريدات كلها تتحدث عن ضحايا الحادث المؤلم. أذكر ضمن المقاطع التي تداولها الناس مقطعا جميلا للأمير منصور بن مقرن -رحمه الله- يتحدث عن أبها بمشاعر فياضة، ومقطع آخر للأستاذ «محمد المتحمي» وهو يتوقف عند سماعه للأذان، وشهود نطقوا بالإنجاز والتميز والأمانة لوكيل الإمارة الأخ والصديق «سليمان الجريش»، وبقية المفقودين «رحمهم الله جميعا».

دموع البشر لا تعيد الموتى، والإنسان حينما يموت ليس بحاجة إلى كل ما يقال عنه، ومن ذلك كل ما كتب في الأسطر السابقة. حاجة الإنسان إلى الثناء خلال حياته قبل مماته. ليتنا قلنا لهم الكلمات التي كنا نخشى قولها. ليتنا كتبناها. ليتنا أخبرناهم بأننا نحبهم وفخورون بهم وبإنجازاتهم.

الناس شهود الله في الأرض، لكن ما الفائدة من الشهود إن كتموا شهاداتهم.