بدأت اليابان ثورتها الاقتصادية، والمشابهة لرؤيتنا 2030، بعيد الحرب العالمية الثانية، في منتصف الخمسينات الميلادية. استطاعت اليابان ببراعة وفي أقل من خمسة وعشرين عاما فقط الوصول للمراتب الأولى على كافة الأصعدة، بما في ذلك الاقتصاد والعلاقات العامة. وهناك اعتبارات عديدة، ونقاط تشابه بين ما كانت تعاني منه اليابان في ذلك الوقت مع بدايات نهضتها، وبين ما نعاني منه اليوم حاليا على مستوى العالم العربي، ودول الخليج والسعودية تحديدا، وهذه النقاط تشمل:

1. الحاجة لاستقطاب مستثمرين أجانب.

2. الضرورة الملّحة لزيادة التنافسية الوظيفية.

3. الرغبة في معالجة ضعف معدّل مشاركة المرأة.

4. السعي لتحسين التعامل الاتصالي مع قضايا السمعة، والأزمة.

يذكر أن كافة النقاط الأربع ترتبط بالعلاقات العامة لديهم، ومدى نجاحهم الاتصالي، ولعله إذن من المثري التطلّع على تجربتهم، وطرق معالجتهم لإشكالاتهم، بهدف المحاكاة، والتدبر، والاستفادة.

يقال بأن نهضة اليابان التي نشهدها اليوم كان السبب الرئيسي فيها دخولهم سوق الصناعة والتجارة العالمية، فبعد عشرين عاما فقط من استقطاب مستثمرين من شتى بقاع الأرض تغير تصنيف اليابان من دولة نامية، إلى إحدى دول العالم الأول. لم يكن ليتمكن اليابانيون من تحقيق هذا الإنجاز بدون علاقات عامة رائدة، وخبرات في التسويق العالمي تساعدهم على خلق فرصة يتعرّف العالم من خلالها عليهم، وبيع منتجاتهم للخارج. فالعلاقات العامة تروّج لدولتهم كي يأتي المستثمرون إليها، والثاني يروّج لمنتجاتهم كي يشتريها المستهلكون.

وقد نجحت اليابان بالفعل عبر هذين الطريقين في صناعة سوق اقتصادي مميز لهم، وثقة استثمارية عالمية، وشهرة وسمعة حسنة لها كدولة.

أما الإشكالية الأخرى التي كان لحملات العلاقات العامة اليابانية، فضل في تجاوزها، فهي تشجيع المرونة في التوظيف والتنافسية، بهدف إنهاء أو تقليل العقود الوظيفية التقليدية التي يوقعها الموظفون منذ تخرجهم من الجامعة ولا تنتهي إلا بتقاعدهم.

الجدير بالذكر أنهم نجحوا في ذلك أيضا، وحتى العاملين في قطاع العلاقات العامة باليابان أنفسهم تحرروا من فكرة التوظيف التقليدية، وبات ما يقارب 17% من اليابانيين العاملين، بمن فيهم ممارسو العلاقات العامة، يعملون بنظام تنافسي، وعقود حرة، يكون البقاء فيها للأكفأ والأفضل، مع حفظ الحقوق. أما الإشكاليتان المتبقيتان وهما مشاركة المرأة واتصال الأزمات داخليا، فلم تنجح اليابان بعد في حلهما. ما زالت المرأة في اليابان حتى اليوم تعاني ضعفا في التمكين، ويتراوح معدل إدارة المرأة للمنظمات بين 1 - 2% فقط، بما في ذلك شركات العلاقات العامة، وفقا لصحيفة «الإيكونميست». وتضيف «الإيكونميست» أيضا أن ما يقارب 70% من اليابانيات يتوقفن عن العمل في حال إنجاب مولود إلى ما يقارب العقد أو العقدين من الزمن، وهذه نسبة ضخمة إذا ما قارناها بدول غربية مثل أميركا التي لا تزيد فيها نسبة توقف النساء عن العمل بعد الإنجاب على 29%.

والمشكلة الأخيرة التي ما زال اليابانيون يعانون منها، ولكن ليس بحجم إشكالية المرأة التي هي عدم الإيمان بدور اتصال الأزمات عند التعرض لفضيحة من أي نوع، لا سيما داخليا. وقد أقدم ثلاثة من وزرائهم على الانتحار في أوقات مختلفة خلال عام 2007 بسبب اتهامات تتعلق بالفساد، أو لمجرّد سوء فهم مع الشعب، حيث إن أحدهم انتحر بسبب تصريح له عن تفجير هيروشيما وناجازاكي ظنّ اليابانيون أنه يبرر لأميركا هجومها، الأمر الذي أوصله إلى قرار الانتحار، بدلا من تحسين سمعته، وخلق اتصال أزمة ناجح معهم.

باختصار، العلاقات العامة في اليابان تجربة جديرة بالاهتمام، نستطيع أن نتعلم منهم بعض الأمور ونتلافى أخطاءهم في أخرى. نجح اليابانيون نجاحا باهرا في استقطاب مستثمرين أجانب، وهذا أمر نـحتاجه بالتزامن مع رؤيتنا 2030، ومع نيوم، وبقية مشاريعنا التنموية. ونجح اليابانيون كذلك في زيادة التنافسية بين الموظفين ورفع الإنتاجية، وهنا تجربة أخرى تستجدي اهتمامنا، لا سيما مع القرارات الأخيرة لدينا والمتعلقة بتقليل العقود الوظيفية المستمرة لمدى الحياة. ولكن في المقابل، بعكس معظم دول الغرب مثل أميركا وبريطانيا، فشل اليابانيون في رفع نسبة تمكين المرأة، كما لم ينجحوا في تحسين الاتصال بين نخب مجتمعهم وبقية أفراد الشعب في أوقات الأزمات والأحداث الجسيمة.