في كلمة الرئيس الإيراني حسن روحاني الأربعاء الماضي أثناء افتتاح الاجتماع الوزاري لحكومته أكد أن إيران تريد «التقدم والتنمية في العراق وسورية واليمن»! وأن بلاده تهدف إلى نشر الاستقرار والثبات في المنطقة. من يعرف تاريخ إيران جيدا في المنطقة يعلم أن هذا التسويق الكاذب لما تعدّه تقدما وتنمية في دول أخرى، والتلميع الزائف الذي تنتهجه ومن يواليها في خطابات مسؤوليها يخالف الواقع كثيرا. هذا الوهم الذي تعيشه الجمهورية الإيرانية بأنها مخلص العالم من ويلاته، وخلاص المسلمين بالذات ليس جديدا، بل يوجد كمادة واضحة ومعلنة في دستورها الذي وضع في أعقاب الثورة الخمينية عام 1979، كما ورد في الفصل العاشر في الدستور المتعلق بعلاقة إيران مع الدول الخارجية، في المادة 154: «تعتبر جمهورية إيران الإسلامية سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال والحرية وإقامة حكومة الحق والعدل حقًّا لجميع الناس في أرجاء العالم كافة، وعليه فإن جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم»، فضلا عن أن إيران دولة توسعية لمقاصدها السياسية التي تؤمن بها كإيمانها بولاية الفقيه، وتسخر لأجل هذا المقصد قواها وعلاقاتها الدولية ودسائسها. لهذا توجد ميليشيات إيران برعاية وحماية وإشراف الحرس الثوري في عدة دول في منطقة الشرق الأوسط، كالعراق واليمن وسورية التي يدعي روحاني أن وجودها في تلك الدول لأجل التقدم والتنمية، وما لبنان عن هذه الدول ببعيد.

استطاعت إيران أن تفرض وجودها مبكرا في لبنان مع نشأة حزب الله اللبناني في القطاع الجنوبي في بداية الثمانينات الميلادية، وهي ترفع شعار نصرة الإسلام والحرب ضد إسرائيل والغربيين في لبنان، وهي طريقتها لخوض حروبها بالوكالة وبدعم من الحرس الثوري قوتها العسكرية في الخارج الذي يدرب ميليشياتها في مختلف الدول، والذي سهلت الحكومة السورية، الحليف السياسي لإيران، دخول المئات من جنوده إلى لبنان. لم تكتف إيران بأن تكوّن من حزب الله ذراعا عسكريا، بل أسست عن طريق الحزب ذراعا سياسيا صار له تمثيل في البرلمان اللبناني له حق النقض منذ عام 2008، هذا الحزب ذو الطابع العسكري كان وما زال يملك قوة عسكرية تفوق الجيش اللبناني، ونفوذا إعلاميا وشعبيا حتى أصبح يمثل وجوده دولة أخرى داخل دولة لبنان.

حزب الله الذي صنف لدى كثير من الدول والمنظمات العالمية بالإرهابي، والذي تسيره إيران كغيره من ميليشيات الفوضى العسكرية في المنطقة يدعي على لسان أمينه العام حسن نصر الله، احتجاز سعد الحريري لدى السعودية، متجاهلا أن تدخلات حزبه في الحكومة الائتلافية للرئيس الحريري، وبالتالي تدخل إيران السافر في حكومة دولة مستقلة، بالإضافة إلى استفزاز حزب الله لدول المنطقة ومشاركتها للحكومة السورية في حملاتها العسكرية، كانا السبب وراء استقالة سعد الدين الحريري في الرابع من نوفمبر الماضي وسفره للسعودية عند شعوره بتهديد سلامته الشخصية.

محاولات إيران الدائمة لاختراق المنطقة ونجاحها في تكوين خلايا لها في بعض الدول التي أصبحت تهدد أمن السعودية بشكل مباشر، كما يحدث من الحوثيين في اليمن الذين ثبت تزويد إيران لهم بالأسلحة التي يقومون بتوجيهها ضد أمن الوطن، آخرها كان الصاروخ الذي استهدف مدينة الرياض قبل قرابة الأسبوعين، كانت تقابل السعودية هذه التدخلات منذ سنوات بطرقها الدبلوماسية المعتادة وبمحاولات فرض العقوبات الدولية السياسة منها والاقتصادية، ولكنها رغم الإدانات الدولية والعقوبات والمحادثات الدبلوماسية والدمار الذي تتركه خلفها في كل الدول التي دخلتها ما زالت تصر على أسلوبها السياسي التوسعي في المنطقة، وتشرعن هذا التدخل وتقنع فيه أتباعها وتسخر لأجله ميليشياتها المسلحة.

لا أسوأ من تبرير إيران توجيه الحوثيين صاروخا للرياض وهي من زودتهم به، إلا ظنها أن سلامتها ستطول إذا تمادت في حماقاتها تجاه المملكة عن طريق تكليف وكلائها في الحروب كحزب الله اللبناني وميليشيا الحوثي اليمنية في استفزاز الدول وسلامتها وسلامة سيادتها. المنتظر أن يكون هنا تحرك دولي وعربي أكثر جدية وإجماعا على إدانة الانتهاكات الإيرانية حتى يتوقف عبثها في الدول التي يبدو لبنان الآن أحد ضحاياها الجدد، وقد استقال الحريري -رئيس وزرائها- بسبب هذا التمادي والتدخل في شؤون دولته عبر حزب الله ممثلها على الأراضي اللبنانية.