إن لم نسترد شواطئ المدن الساحلية في هذه الفترة، فلا أظن أن بوسعنا استعادتها في المستقبل القريب.

لم يعد هناك بحر، ولا شواطئ رملية.

فقدنا البحر. شركات سياحية استولت على ملايين الأمتار من الواجهات البحرية شرقا وغربا بطريقتها. ودفنتها وحوّلتها بالتالي إلى ممتلكات خاصة لها.

وشخصيات نافذة في وقت ما، وضعت أيديها عليه كمنتجعات وشاليهات.

لن أتحدث عن أبعاد الضرر الذي يصيب الشُّعب المرجانية التي تؤمن دورة الحياة البحرية والتنوع الأحيائي. هذا موضوع طويل.

ولن أستغل المساحة في سرد معاناة الذين اشتروا أراضيهم بأسعار مرتفعة لتكون مواجهة للبحر، فاستيقظوا ذات يوم ووجدوا من يدفن البحر أمامهم ويجعلهم خلف ظهره. تخيلوا، هذه وإن كانت معاناة مؤلمة إلا أنها تضيع في بحر المعاناة الأكبر، ناهيك أننا لو فتحنا ملف معاناتهم فلن نستطيع إغلاقه، لأنه سيقودنا إلى متاهة أكبر: من الذي كان يمتلك الأرض، وكيف امتلكها، وكيف قام ببيعها عليهم؟!

المؤلم لنا أن الشاطئ الذي تنثر ذكرياتك على أمواجه هذه السنة، قد تعود العام القادم ولا تعثر عليه. فقط لأن هناك من وضع يده عليه!

مدن ساحلية في الوطن العربي، تغيب عنها بالسنوات وتعود وتجد البحر في مكانه وكأنه ينتظرك. المقاهي ذاتها التي اعتدت أن تشرب قهوتك فيها، هي في مكانها لم تتزحزح شبرا واحدا. صفاء لا حدود له. نظرات لا تصطدم بشيء. لا يحدها شيء كالأحلام!

والأمر الذي ما أزال غير قادر على تفسيره، أنه وعلى الرغم من الفساد المستشري في بعض تلك الدول، إلا أن أحدا لا يجرؤ مهما كان على الاعتداء على البحر. البحر ملك للناس كلهم. البحر ثروة قومية يشترك الجميع في ملكيتها. ملك للفقراء قبل الأغنياء.

في بلادي، ما زلت أعتقد أن البحر ملك لي كمواطن، أرتاده متى أردت. ليس لأحد حق خاص فيه. لا أحد يستطيع الحيلولة بيننا. من هذه الزاوية نحن اليوم بحاجة ماسة إلى مشاهدة «معدات البلديات» وهي تهدم كل بناء طارئ حجب البحر عنا. أعيدوا البحر لنا.

نحن بحاجة في هذه المرحلة الحازمة إلى أن نرفع شعارا يقول: «البحر للجميع».