من يتابع شبكة قنوات «برس تي في» الإيرانية، أو يطّلع على جريدة «إنترسبت» الأميركية لصحابها رجل الأعمال إيراني الأصل، أو من يقرأ جريدة «ميدل ايست آي» اللندنية، أو يتابع قناة «تي آر تي» التركية، واللتين تطلبان الود الإيراني بشتّى الطرق، أو من يتابع الجزيرة التي مع الأسف كشفت انـحيازها بالتزامن مع الأحداث الخليجية الأخيرة، وبات لونها إيرانيا، يمكنه بسهولة ملاحظة تشابه الخطاب الإعلامي المكتوب، في كل تلك المحطات الإعلامية، ويمكن ملاحظة أن المراد منه الإساءة للسعودية، وشعبها ونهضتها. تسيء تلك الوسائل إلى نفسها قبل أي طرف آخر حين يتضح للمتلقي انحيازها، بيد أن الإساءات الواردة فيها تمرر بطرق متباينة، بعضها ينتبه لها أي متلقٍّ، وبعضها لا ينتبه لها سوى المختص في الإعلام، فهي تلعب على أوتار خفية، وتستغل الصور النمطية المتعارف عليها، وتخلط بين حبال دينية أو مذهبية، وغير ذلك، لتحقيق غايتها.

وقد لوحظ مؤخرا أن المنصات الإعلامية المذكورة لا تستضيف سوى شخصيات محدودة جدا، يمكن إحصاؤهم بأصابع اليد الواحدة، لاستخدامهم في طرح انتقادات ضد السعودية، فعلى سبيل المثال، الصحفي «ديفيد هارست» تم إظهاره بشكل مفرط ومبالغ فيه، في تلك الوسائل الإعلامية، ضمن حرب إيران الإعلامية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الصحفي ليس من أبرز أو أنجح أو أكثر الصحفيين الغربيين تأثيرا، كما أن أهم منصب تولّاه مرتبط بالتي سبق ذكرها: «ميدل ايست آي»، ومن هنا يمكن استفهام ما إذا كانت تلك الوسائل ومن تستضيف يشكّلون لوبيا سياسيا.

تتلاقف تلك المحطات الإعلامية وما تبعها أي خبر سلبي منشور عن المملكة في صحافة العالم، وتثرثر حوله لأيام، وربما أسابيع، أما الأخبار الإيجابية التي ازدادت كميتها منذ بدأت السعودية الحراك التنموي والاقتصادي الأخير، فجميعها يتم وصمها بـ«البروبجاندا»، و«الدعاية»، أو يتم تجاهلها من قبلهم. وحتى الخطاب الصوري، أو المرئي، فلطالما أفرطوا في تكرار لقطات قليلة، مسربة أو مأخوذة ويتم توظيفها بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة لمحاولة طيها وقولبتها بشكل يخدم أجندة سياسية محددة.

أضف إلى ذلك تلاعب تلك الوسائل الإيرانية الإعلامية بعامل الوقت، فنادرا ما يتم عرض رأي المملكة، أو رأي سعوديين، وإن تم عرضه فيتم منحه وقتا قليلا جدا مقارنة بالرأي الآخر.

الجدير بالذكر أن ما يجعل هزيمة هذا الإعلام بتوجهه الإيراني أمرا سهلا، هو إفلاسه وعدم ارتكازه على أرضية محددة، أو ثباته على خط واحد، فمثلا: إذا حققت السعودية إنجازا عصريا نقدوه بحجة المحافظة، وإذا حققت إنجازا دينيا نقدوه بحجة العلمنة، وإذا حققت السعودية إنجازا إنسانيا مثل الانتصار للمرأة نقدوه بحجة أنه لعبة علاقات عامة خارجية، وإذا حققت السعودية إنجازا صناعيا مثل «نيوم» نقدوه بحجة أنه غير واقعي، وهكذا دواليك كل قفزة نخوضها للأمام يتم إيجاد أي كذبة كمحاولة للعرقلة أو تشويه السمعة بدون أن يكون لهم مبدأ أو منطلق يستندون عليه في النقد.

يتسم هذا الإعلام غير الصديق، كما ذكرت سلفا، بقلة تنوع الشخصيات التي يستضيفها للحديث عن شؤوننا، وعدم عرضه لآرائنا، إضافة إلى تلاعبه بالمحتوى الذي يغطي أخبارنا، وتوظيفه عوامل أخرى كالوقت. ويمكن إذن القول إن الإعلام الإيراني متبعثر هذه الأيام، مستميت في النقد غير البنّاء، ويكشف الستار عن أذرعة في كل مكان، يوغل في انـحيازه، ويستمر في محاولة تلطيخ مساحاتنا بقاذوراته.

إننا اليوم، من وجهة نظري كمختصة في الإعلام، وكمواطنة سعودية قبل كل شيء، نحتاج إعلاما قويا عالميا، يخاطب الآخرين بلغاتهم وثقافاتهم ومرجعياتهم، لكي نكشف الرداء عن هذا الزيف الإيراني الإعلامي، والمحاولات البائسة في إبطاء نهضة السعودية، أو تسميتها بغير مسمياتها. يتوقع من نهضتنا التي غطت جوانب اجتماعية واقتصادية عديدة أن تنهض بإعلامنا وأن تمكنه من استهداف متلقين غير عرب (إلى جانب العرب)، وتكسوه طابع العولمة، وتواجه مثل هذه الادّعاءات الإيرانية غير السوية، وغير الحقيقية، وما أسهل هذه المهمة على السعوديين المؤهلين، في حال تم توفير الدعم والتوجيه اللازمين.