وفقاً لإحصائية الأمم المتحدة للعنف والجريمة حول العالم فإن 79% من ضحايا الجرائم الجنائية التي يرتكب الرجل 95% منها، هم رجال آخرون! والرجل أكثر عرضة للقتل بأربع مرات مقارنة بالمرأة في مئتي دولة حول العالم. ولذلك يمكن القول إن حل قضية العنف ضد المرأة، هو جزء من حل قضية العنف ضد الرجل، ذلك أن الرجل بقدر كونه معتديا فهو أيضا ضحية لاعتداءاته، وأي رجل بالتالي يناهض أو يعادي تحركات حماية المرأة فهو في الحقيقة يعادي نفسه، وبني جنسه قبل أي شيء آخر.

هناك أسباب كثيرة للعنف في هذا السياق، وأحدها هو النظرة الثقافية والاجتماعية حول الرجل، والتي تمرر عبر مختلف وسائل الإعلام، النظرة التي تمثّل الرجل كرمز للقوة والسلطة، وربما السيطرة والتحكم. وهذا التنميط أو التنظير السائد والضيق للرجولة قد أدّى إلى غرس فكرة أن الرجل لا يتوقع منه أن يبكي، ولا أن يكون عاطفيا، ولا أن يعبّر عن مشاعره بصدق، ولا أن يكون ضعيفا وهشا في بعض الأحيان، الأمر الصعب إذا افترضنا أنه يلازم الشخص طوال حياته، بدون استثناء أي يوم. وقد يكون هذا التصوير وهذا التوقع الذي يتم فرضه على الرجل أحد دوافع العنف الذي نراه بسبب أو من قبل الرجل، إما ضد أبناء جنسه، أو ضد المرأة.

وإذا نظرنا بشكل خاطف إلى الإعلام المعاصر سواء المحلي، أو العالمي، فإن كثيرا من التنميط يمكن مشاهدته مما يخدم هذا التصوّر، معظم المسلسلات الخليجية تحتوي على مشاهد ضرب رجل لامرأة، أو مضاربة رجل مع رجل آخر، والمسلسلات التركية التي فاقت الخليجية بانتشارها تبالغ هي الأخرى بتمثيل الرجل بشكل شيطاني إجرامي، وتتداخل مع ذلك المافيا والعصابات، والأمر نفسه ينطبق على منتجات الدراما الأميركية والتي يستهلكها العرب، والسعوديون بشكل كبير إما عبر استيرادها في القنوات الرسمية أو عبر نيتفلكس وغيره من مواقع الإنترنت.

أضف إلى ذلك الإعلام الآسيوي بشخصيات مثل «جاكي شان» و«جيت لي»، ممن يعززون هذا التنميط حول المبارزة والمقاتلة وربطها بالرجولة. والأسوأ من ذلك أن هذه الأعمال التي تستغل الصور النمطية كهذه عن الرجل، هي التي غالبا ما تحقق النجاح الواسع والربح الأكبر، ذلك أن الجمهور ببساطة سيختار غالبا ما اعتاد عليه، ولن يتوجه إلى محتوى إعلامي يناقض أفكارا قد جبل عليها حول مثلا ماذا يعني أن تكون رجلا.

وفقا للكاتب البريطاني «روبرت ويب» المتخصص فيما يتعلق بالتمثيل الإعلامي للرجولة، فإنه منذ السبعينات الميلادية لوحظ أن هناك أطرا موضوعة يتوقع من الرجل التقولب في داخلها ليبدو بمنظر مقبول خارجياً. ويشار إلى أن هذه الأطر قد تتضمّن التقاليد الاجتماعية ونمط الحياة والملبس وحتى الهوايات كالرياضة، وغير ذلك.

يقول «روبرت ويب» في خاتمة كتابه (كيف لا تكون رجلاً): «كم هو فظيع أن تكون رجلاً! الرجولة تأتيك بأثقالها، وقد تجد في نهاية الأمر أنك لا تحتاج هذا الكم من الأثقال التي تسببت في إبطاء مسيرتك، ومسيرة آخرين حولك».

الجدير بالذكر أن هذا الكاتب، رغم شغفه بمعالجة مشكلات الرجل تحديداً، فقد كان مؤيداً للنسوية وحركات حقوق المرأة، ويرى كما ذكرت سلفاً بأن معالجة تمثيل الرجل في الثقافة والإعلام والتقاليد الاجتماعية ستحل معظم مشكلات المرأة أيضا، أي أن حل هذه المشكلة يؤدي إلى نوع من الفوز المشترك والمتبادل بين الجنسين.