مجاهد الرفاعي



انطلقت حملة منذ عدة سنين، لإصلاح النظام المدرسي.. وحظيت بدعاية إعلامية واسعة.. لكن السخرية أن هذه الحملة نجحت في إثبات (فشل المدارس) وعجزها عن مواجهة تحديات العصر.. فقد انطلقت الحملة لإصلاح التعليم، ورفع مستواه.. وطالب الكثير من المهتمين المتخصصين، وغير المتخصصين، بإطالة اليوم الدراسي، والسنة الدراسية، وأوصوا بزيادة الواجبات المدرسية، ورفع معايير القبول في الجامعات، وتوخي الحزم والصرامة في منح العلامات المدرسية، وتحسين الكتب المدرسية، ووضع معايير وطنية موحدة للاختبارات.. وكذلك العشرات، والعشرات من الاقتراحات الإصلاحية، التي تقدم بها المهتمون بالتعليم.

وهناك.. كثر الكلام عن تغيير جذري في التعليم، وطريقته.. ولكنه لم يأت بشيء جديد حقا.. وبقي الأداء المدرسي على حاله، ومحاله.. رغم المواقف الحازمة، والمؤيدة التي اتخذها المربون، وولاة الأمر ورغم الاستعدادات الدائمة، والمحمومة التي تجري في قاعات التدريس.

والمؤلم حقا.. أنه لم يعد بإمكاننا أن نحسن تعليم أولادنا، عن طريق تحسين المدرسة كما نعرفها الآن.. وعليه حان الوقت.. كي ندرك أن المدرسة، لم تعد حلا (بل أصبحت هي المشكلة).

فالمدرسة تعلمنا المنافسة في معظم الأحيان.. بدلا من التعاون.. وتذل علانية من يعجز عن تقديم الإجابة الصحيحة، بدلا من منحه الثقة بالنفس، واحترام الذات.. ولم تدرك المدرسة الراسخة في ذاكرتنا، أن عقول ومدارك الطلاب تتفاوت في الفهم السريع بدرجاته، وما زالت تصر على أن الجميع يجب أن يفهموا ويتعلموا بنفس السرعة، أو أصبحوا أغبياء.. ويزداد الأمر سوءا، عندما يجلس الطالب أربعين دقيقة.. في الحصة الواحدة مع ثلاثين أو أكثر من أقرانه، وبالتالي لا يسمح له أن يناقش معهم ما يسمعه، وينصت إلى دروس، وشروح.. ربما كانت صعبة عليه، أو سهلة، أو مملة.

ويمكن القول: إن الشباب الناجحين أكاديميا.. قد حصلوا على معظم تعليمهم في الماضي.. كما يحصل عليه طلاب اليوم (رغما عن أنف المدرسة.. لا بفضل منها)، وعندما يشدد المصلحون اليوم على أهمية الفروض المنزلية ومساعدة الأسرة.. يشيرون بوضوح إلى أن المدرسة، لا يمكنها وحدها أن تعلم أولادنا.

علينا أن نتحرك بأسرع ما يمكن لكي نضع حدا لفشلنا:

• علينا أن نخول المربين، والمدرسين بأن يخلقوا بيئة تعليمية شديدة التفاعل.. بدلا من أن يقتصروا على تقديم المعلومات إلى طلاب مذعنين غير متفاعلين.

• علينا أن نحول جهودنا التعليمية الوطنية من إصلاح المدرسة الحالية.. إلى بناء (مدرسة متفوقة): حيث تلجأ إلى التدريس كفريق، وإلى التعليم الجماعي (الطاولة المستديرة) لكي تخلق جماعة تعليمية متماسكة، وهنا يتخذ المدرسون، لا الإداريون كافة القرارات التعليمية، ويعمل الطلاب ضمن فرق ليتفاعلوا باستمرار، ويساعدوا بعضهم بعضا على التعلم.. وإذا واجه الطالب مشكلة.. لا ينتظر المدرس بل يطلب المساعدة من أعضاء مجموعته الجالسين حول نفس الطاولة، وإذا عجزت المجموعة عن مساعدته، يسارع المدرس إلى التدخل.

وقبل الختام: أقترح على كل مربّ، ومدرس مادة علمية.. أن يضع أمامه جدول بأسماء الطلاب.. ويختار ثلاثة منهم لكل يوم دراسي، ويكلفهم بإعداد تصور كامل عن موضوع الدرس وحيثياته.. لمناقشته مع زملائهم الباقين ليتفاعلوا مع بعضهم بعضا (فالتكليف عليه درجات، والمناقشة بالمثل) وهكذا.. حتى يكون آخر ثلاثة مع آخر درس في المنهج المقرر (وبالتالي نكون قد خلقنا بيئة تفاعلية تعليمية خلال العام الدراسي).. أما ما هو معيار التفوق في نهاية العام الدراسي.. فهو (ما يكتبه الطالب في ورقة الامتحان).

وختاما: كل شيء في حياتنا الوطنية.. ينبع من تطوير مواردنا البشرية.. لذلك يعتبر الاهتمام بهذا المجال من أهم الاستثمارات التي يمكننا أن نوظفها على المدى البعيد... إن نهاية المدرسة التقليدية، قد يعني بداية تعليم يستغل ويطور إمكانات أطفالنا، وشبابنا.. ويساعد بصورة هائلة في نجاحنا القومي.. وفي تحقيق الذات لدى مواطنينا.