نشأ منذ الستينات والسبعينات الميلادية جدل أكاديمي واسع بقيادة «مارشال ماكلوهان» في جهة، و«رايموند ويليامز» في جهة أخرى، حول التقنية أم الإنسان والأكثر تأثيرا بينهما. يرى الأول أن التقنية هي الكل في الكل، وهي من يقود حراك المجتمعات بما في ذلك ثقافتها وتحضرها واقتصادها وسياستها، بينما يعتقد «رايموند ويليامز» أن الناس هم من يوظفون التقنية بالشكل الذي يتلاءم مع ثقافتهم وحيواتهم دون أن يكون للتقنية الدور الأكبر في ذلك.

 اختلف الاثنان وامتدت أبحاثهما وأبحاث آخرين حول ما يقومان به، وما زال هذا الجدل الأكاديمي حول التقنية وتأثيرها قائما. والأمر الجدير بالاهتمام أنه يمكن تطبيق نظريات هذين الباحثين أو الاستناد عليها لاستقراء المستقبل، وتحليل حاضرنا المعاصر اليوم.

 فعلى سبيل المثال، إذا طرحنا هذا السؤال الفلسفي.. من هو أكثر تأثيرا على الآخر التقنية أم الإنسان؟ بالنظر لصناعة الروبوتات تحديداً، فيمكن إذن القول بإنه لا توجد إجابة محددة. وقد يكون من الصحيح والمقبول القول إن الروبوت يحاكي حركات وتصرفات الإنسان، وفي نهاية الأمر ما هو إلا آلة تمت برمجتها من قبل صانعها لتنفيذ مهمة معينة إما خدمية أو دفاعية أو غيره، ولكن ما الذي يجعلنا موقنين بأنه لن تكون لهذه الآلة استخدامات أخرى، غير مخطط لها، ذات أبعاد اجتماعية وثقافية؟ أو ما الذي يجعلنا نعرف ما إذا كانت صناعة الروبوتات اليوم ستبقى كما هي بعد سنوات قليلة من الآن دون إضافات وتطورات؟ في اليابان توصلوا إلى برمجة الروبوت بشكل يجعل له دماغا اصطناعيا يسجّل كل ما يدور حوله من عبارات وإجابات وأحاديث ليعيد استخدامها عندما يتم طرح السؤال عليه، وكل ذلك بشكل مستقل كليا عن المبرمج، أي أصبح عقل الروبوت في اليابان _نوعاً ما_ يشبه عقل الطفل الذي يسجل ما يتلقاه ممن حوله ثم يقلدهم في الحديث واللهجة والكلام. وأحد الأمثلة على ذلك الروبوت «اريكا» التي التقت بها وكالات أنباء عالمية لتصور أجوبتها التي تقدمها بفاه مبتسم واستقلالية من أسلاك البرمجة أو إشارات البلوتوث الناقلة للإجابات. وهذا تفصيل يجعلنا نتوانى عن الجزم المطلق بتأثير الإنسان على التقنية، ولكنه أيضا ليس برهانا كافياً لقول عكس ذلك.

يقول البروفيسور الياباني في جامعة أوساكا «هيروشي ايشوجور» إن ما يميز صناعة الروبوتات في اليابان هو أن الثقافة الشعبية لا تنظر لها كمهدد للحياة وبيئة العمل، كما هو الحال في الدول الغربية، الأوروبية والأميركية تحديدا. ولكن، يضيف «هيروشي ايشوجورو» أن اليابانيين يحترمون صناعة الروبوتات ونتاجها، ويتابعون باهتمام أي تطور يطرأ على هذه الأجهزة سواء في تسريع حركتها أو منحها خصائص دفاعية أو إنسانية.

 والأمر الأكثر غرابة أن هناك طلبا على إعطاء الروبوتات في اليابان طابعا عاطفيا عن طريق 1-تشكيلها بمظهر إنساني جداً. 2- برمجتها على مشاركة صاحبها/‏مشتريها نفس الاهتمامات، مثل قراءة الأخبار له إذا كان سياسيا، أو الطهي إن كان طاهيا، وهكذا دواليك. كل هذه التطورات التي تحدث لصناعة الروبوتات حول العالم مهمة وتدعونا بالفعل للتساؤل عما إذا كانت هذه الأجهزة التقنية التي نلازمها كالهاتف وجهاز الكمبيوتر أو التلفاز، وقد نصادقها كروبوت، ستحظى بأدوار أكبر وأهم مستقبلا، وقد يزداد تأثيرها مقارنة بنا، أو أنه كما يقول «رايموند ويليامز» سيحتفظ الإنسان بمكانته العليا في الأرض ولن تشاركه في ذلك التقنية. هذا هو السؤال الذي لا توجد له إجابة مطلقة أو مؤكدة حتى الآن.