قصة «تميم المجد» تصلح جدا أن يتم إدراجها كحكاية ضمن حكايات ألف ليلة وليلة، عن أمير نام قائدا فاستيقظ عبدا يُقاد، وأنه ظل طيلة الطريق قابضا على زمام أحلامه حتى إذا شارف على الوصول انفلت الزمام، فتلفت فزعا ليجد نصف آماله تبخرت، ونصفها الآخر تسرب بين الشقوق، ثم اكتشف حتى قبل أن يتحسر ويغتم بأنه منذ البدء كان يسير في طريق الآخرين، وأنه كان ممسكا بأحلام ليست له، فتساءل حائرا: هل أنا حر طليق، أم أسير في قيود؟ هل أنا قائد في بلادي أم مَقُود؟ وطريقي، ما طريقي؟.

لقد كان و«كان» تأتي دوما للإخبار عما كان، أي أن الحديث هنا عن ماض كان فيه قادة قطر يملكون أحلامهم الخاصة، ويبنون آمالهم العريضة بالهيمنة على كل بلاد العرب، من بغداد إلى ليبيا، أن يصبحوا سادة وزعماء المنطقة، أن يكون لهم التأثير الأكبر في الشعوب، وأن يسيروا الحكومات وفق أهوائهم، وهكذا بنت القيادة القطرية لنفسها صرحا من خيال فهوى على رؤوس الحالمين، هوى لأن الأفكار التي تم حشرها فيه أكبر من رؤوس واضعيها، ولأنهم لم يملكوا في سبيل تحقيق هذا الخبال إلا الصراخ عبر قناة إعلامية مزدحمة بالأفواه، لم يملكوا ساسة دُهاة، ولا جيشا عرمرما أو جنودا أوفياء، ولا حتى عقيدة راسخة تستوعب كل هذا الغباء.

إن مثل هذا الحلم الضخم كي يتحقق فالأمر يتطلب عدة أدوات ليس من بينها اللطم والصياح، ومشكلة القيادة القطرية ليست فقط أنها لم تملك غير الصراخ، المشكلة أنها حين لم تجد من أبناء قطر عددا كافيا للصراخ، راحت تستورد أفواها تصرخ لها وبالنيابة عنها، وهكذا تم استيراد إعلاميين ليصرخوا بالنيابة، وسياسيين لرسم خطط هذا الصراخ، ومستشارين يحددون توجهات الصراخ، ورجال دين يفتون لهم عبر الصراخ بجواز الصراخ، ثم استوردوا جنوداً ينفذون الأوامر الصادرة عن كل هذه البضاعة المستوردة! ومن الطبيعي أن من تستأجره ليصرخ اليوم بالنيابة عنك، سيصرخ غدا عليك وهدفه أن يشكمك، وهذا ما حدث، فما الذي سيحدث؟.

إن نظرنا للغد بعين المنطق والعقل والمصلحة، فالعودة للحضن الخليجي هو الخيار السليم، لكن يبدوا أن الأمر بالنسبة للقيادة القطرية لا يستند على معايير العقل والمنطق والمصلحة، إنما لمعايير أخرى مبنية بالكامل على الظن بأن العودة للحضن الخليجي فيها هدر للكرامة، وربما هذه الظنون نابعة منهم أو ربما أجبرهم ولاة الأمر المستوردون على اعتناقها، في كل الحالات الغد لن يأتي كما يتمنى العقلاء، إنما كما يطمح المرتزقة، فما حدث لـ«علي عبدالله صالح» يحمل رسالة صريحة وليست مبطنة بأن هذا مصير كل من يستيقظ ضميره فجأة ويلعن الشيطان.

الحمدان وتميم اليوم مرتطمون بجدار، إن عادوا ستحدث مأساة، وإن تقدموا ستحدث مأساة، وإن بقوا في أماكنهم ستحدث مأساة، في كل الحالات لن يتنازل المرتزقة المستوردون إلا بمأساة وفاجعة، فالإخوان وملالي الشيطان

ما دخلوا قرية إلا أفسدوها، وما تحالف معهم أحد إلا خانوه، وما تسيدوا بلادا إلا أحرقوها، هؤلاء لا عهد لهم

ولا ذمة، يحتقرون من يجلهم ويُجلّون من يحتقرهم، داس «جمال عبدالناصر» على الإخوان فقبلوا قدميه، وابتسم «السادات» لهم فقتلوه!، وملالي الشيطان تركوا «رفيق الحريري» حين أعرض عنهم، واغتالوه حين أقبل عليهم، هؤلاء دوما لا يبتدئون إلا بخيانة من يكرمهم ويحتضنهم، يمجدون من ينحني لهم، ليس حبا فيه، إنما لكي يمتطونه حتى يصلوا لوجهتهم، فإن وصلوا لمبتغاهم بصقوا عليه، وإن لم يصلوا قتلوه، وإن صادفهم جدار نزلوا وتركوه لينهار الجدار عليه، هذه هي الخيارات المتاحة أمام «تميم المجد» والحمدين.

لقد كان للقيادة القطرية أحلامها الخاصة بها، كان لهم غباؤهم الخاص بهم، أما اليوم فالقيادة القطرية وتنظيم الحمدين مع تميم، تم حشرهم في أحلام الآخرين، وباتوا جزءا لا يحق له أن يستقل بذاته أبدا، كانوا سادة أنفسهم، أما اليوم فعصمتهم بيد كل وضيع وطامع وعابر سبيل، هذا يحكم وذاك يشكم، وما عاد يحق لهؤلاء القادة الأشاوس حتى أن يطالبوا بنزع الولاية، لن تتولى القيادة القطرية أمرها، فقد انفلت الزمام تماما من يدها!، وهكذا حلم القادة العظماء بالزعامة المطلقة فاستيقظوا مماليك.