حدد مجلس الاتحاد الروسي مؤخراً، تاريخ 18 مارس 2018 موعدا لإجراء الانتخابات الرئاسية. وثمة رزمة من المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية من سياسيين ورجال أعمال وفنانين وإعلاميين في مقدمتهم الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، وغينادي زوغانوف زعيم الحزب الشيوعي، وستكون هذه الحملة، الخامسة منذ عام 1996 (باستثناء عام 2004)، وحصد في الانتخابات الأخيرة (في عام 2012) أصوات 17% من الناخبين. وشعار حملته الانتخابية: «عشر خطوات نحو العيش الكريم».

 ومن المرشحين الحزبيين: فلاديمير جيرينوفسكي زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، وهذه ستكون حملته السادسة. وفي عام 2012 حصد أصوات أكثر من 6% من المواطنين الذين أدلوا بأصواتهم في تلك الانتخابات.

 وسيشارك لأول مرة، أليكسي نافالني زعيم «حزب التقدم» المعارض و«صندوق محاربة الفساد»، كمرشح مستقل، إذ شددت لجنة الانتخابات المركزية أن نافالني لا يستطيع المشاركة في الانتخابات الرئاسية قبل عام 2028 لكونه مدانا (محكوما عليه) في ارتكاب جرائم مالية. لكن نافالني نفى قطعيا الاتهامات المنسوبة إليه، مدعيا أنها تحمل طابعا سياسيا. وأعلن عن عزمه مقاطعة الانتخابات في حال عدم السماح له بالترشح.

 أما غريغوري يافلينسكي، أحد مؤسسي حزب «يابلوكو» الديمقراطي، فيترشح لانتخابات الرئاسة للمرة الرابعة، واحتل في عامي 1996 و2000 المركزين الرابع والثالث على التوالي، وفي عام 2012 لم تسمح لجنة الانتخابات المركزية له بالمشاركة في الانتخابات. وبين النقاط في برنامجه الانتخابي، سحب القوات الروسية من سورية، و«التوقف عن جميع أنواع الدعم للانفصاليين في أوكرانيا»، وتطبيع العلاقات مع الغرب.

ومن مرشحي الوسط الإعلامي: كسينيا سوبتشاك ابنة عمدة سان بطرسبورغ الأسبق أناطولي سوبتشاك، التي لا تنتمي إلى أي حزب، مرشحة عن حزب «المبادرة المدنية» الليبرالية. وتعرضت لانتقادات قوية من قبل المرشحين زوغانوف وجيرينوفسكي لعزمها الاعتراف بعدم شرعية انضمام القرم إلى روسيا. وتسعى في برنامجها الانتخابي إلى تقليص نفوذ الكنيسة الأرثوذكسية في المجتمع، وإقامة علاقات شراكة مع الولايات المتحدة وأوكرانيا، وسحب القوات الروسية من سورية والإفراج عن المعتقلين السياسيين.

 وقد تضم قائمة المرشحات كلا من ناتاليا فيليكايا رئيسة اتحاد النساء الاشتراكي الديمقراطي، وإيرينا فولينيتس رئيسة منظمة لجنة ذوي التلاميذ والطلبة، وإيرينا بيتيليايفا عضوة المجلس المركزي لحزب روسيا العادلة. والمغنية والمدافعة عن حقوق الإنسان يكاتيرينا غوردون.

 ومن وسط رجال الأعمال هناك عدد من المرشحين، منهم: رحمن يانسوكوف رئيس مؤسسة رجال الأعمال «أفانتي»، ورجل الأعمال سيرغي بولونسكي، وسيدة الأعمال والناشطة الاجتماعية لاريسا رينار.

ومن المرشحين الأكاديميين: رئيس مركز التكنولوجيات الاجتماعية أندريه بوغدانوف، ومدير معهد علم الاجتماع السياسي فياتشيسلاف سميرنوف، والخبير في مجال علم النفس الاجتماعي ميخائيل كوزلوف.

ومن اللافت أن حملة الانتخابات القادمة ستكون الحملة الرابعة بالنسبة للرئيس الحالي فلاديمير بوتين، وسيشارك في الانتخابات هذه المرة كمرشح مستقل، لا كمرشح عن حزب «روسيا الموحدة». وفي الانتخابات السابقة عام 2012 حقق بوتين فوزا عريضا حاصدا أصوات أكثر من 63% من الناخبين.

 وفي حال فوزه بالانتخابات المقبلة تحت شعار «من غير بوتين ليس هناك روسيا»، سيتولى بوتين كرسي الرئاسة للمرة الرابعة في حياته، وللمرة الثانية على التوالي.

هذا ويشار إلى الرئيس بوتين باسم «batyushka» أي «الأب المقدس»؟. ويعتقد أنه استطاع كسب محبة عموم المواطنين الروس لرزمة أسباب لخصها أحد استطلاعات الرأي بالتالي، منها: أنه أقوى سياسي في روسيا، وغياب البديل لبوتين، وهو الذي يسعى إلى الاستمرار في الحكم حتى عام 2024 ليكون بذلك قد حكم روسيا رئيساً لمدة 20 عاما، وإذا أضفنا الأعوام الأربعة، التي تولى فيها رئاسة الوزراء –الفترة 2008 ـ 2012- فسيكون قد حكم روسيا لمدة 24 عاما. وهي مدة أقل قليلا من مدة حكم ستالين (30 سنة)، وأطول من مدة حكم بريجنيف (18 سنة). واعتباره باني الطبقة الوسطى في روسيا، إضافة إلى أنه أعاد إلى روسيا هيبتها. وتعمد بوتين الظهور بمظهر الجندي الوطني المقاتل من أجل بلاده، ولذلك ازدادت شعبيته، وتوحدت كل القوى السياسية الروسية خلف بوتين في حربه على الشيشان، بعكس حرب الشيشان الأولى في عهد يلتسين التي شهدت انقساماً سياسياً وأمنياً حاداً في روسيا.

لكن تكشف حقائق المشهد الداخلي الروسي عن أسرار قوة بوتين الحقيقية في مواجهة المنافسين أو المعارضين المحتملين. وفي مقدمها الفساد بأنواعه. وتشير كارين داويشا، أستاذة السياسة السوفيتية والروسية في جامعة ميامي بأوهايو، في كتابها «كلبتوقراطية بوتين.. من يمتلك روسيا؟»، إلى أن منظمة الشفافية الدولية تقدر التكلفة السنوية للرشوة في روسيا بنحو 300 مليار دولار. وقدرت داويشا ثروة بوتين الخاصة بنحو أربعين مليار دولار.

 ويتفق معظم المحللين السياسيين على أن بوتين شخصية مثيرة للجدل، لكنه أيضًا شخصية غامضة، قد لا تكون دوافعها واضحة على الدوام، وقد كرّس له العديد من الباحثين دراسات عديدة، حاولوا فيها رسم صورة واقعية لرجل يقود روسيا منذ عقدين تقريبًا.

وسلط كتاب الكاتب والصحفي الأميركي ريتشارد لوري «بوتين: سقوطه وانهيار روسيا Putin: His Downfall and Russia›s Coming Crash سلط الضوء على جوانب متنوعة من شخصية بوتين، والتعقيدات الجيوسياسية في روسيا وأوكرانيا والصين.

واعتبر لوري أن دعم بوتين للرئيس السوري بشار الأسد ما هو إلا «رسالة لغرض الاستهلاك الداخلي»، هدفها إظهار القوة التي يتمتع بها بهدف حماية منصبه وحياته».

وطرح لوري فكرة استفزازية، مفادها أن سلوك بوتين المعروف والمثير للقلق، ومنها أن يزداد الرئيس الروسي استبدادًا وثراء. إنما يمهد الطريق إلى سقوطه وسقوط روسيا معه. ومن المؤشرات اهتمام بوتين الكبير بالتنقيبات في القطب الشمالي، ثم موقفه في أوكرانيا، وإزاء الصين والإنترنت.