أعلنت المملكة عن أكبر موازنة إنفاق متكاملة النمو في تاريخها بلغت 978 مليار ريال بالرغم من تدني أسعار النفط، وسياسة خفض الإنتاج، وتكاليف الإصلاحات الاقتصادية، بالإضافة إلى الإنفاق الموازي من الصناديق التنموية وصندوق الاستثمارات العامة المقدر بـ133 مليار ريال.

وقد جاء بيان الموازنة العامة 2018م بشكل جديد ومختلف عن الأعوام الماضية، من حيث اللغة المهنية وعرض البيانات والإفصاح واعتماد التاريخ الميلادي لأجل مقارنة البيانات والأرقام، كما تضمن البيان مؤشرات مالية واقتصادية مهمة، إلا أن التحليلات الاقتصادية للموازنة العامة للدولة ركزت على احتساب الزيادة النسبية للإيرادات والنفقات عن الأعوام السابقة بشكل إجمالي ودون تفاصيل، كما أن البرامج الاقتصادية لم يتم قياس أثرها على المجتمع ككل، بالإضافة إلى أن كثيرا من المختصين تناولوا تحليل الموازنة من منطلق فني بحت لا يفهمه المواطن العادي وغير المتخصص في الاقتصاد والمالية العامة.

وفيما يلي تحليل مبسط لبيان الموازنة، وذلك من خلال التركيز على أهم المؤشرات المالية والبرامج الاقتصادية التي تضمنها البيان، والتي تهم المواطن في المقام الأول، وتدل على قوة ومتانة الاقتصاد السعودي، فكما هو معلوم فإن الموازنة العامة هي عبارة عن برنامج عمل السلطة التنفيذية للسنة المقبلة (2018م)، ولا يخفى أن تكون لمثل هذه «الموازنة» آثار اقتصادية واجتماعية، وخاصة أنها ركزت على مجالات حيوية تهم المواطن:

 أولاً/ تلعب المصروفات الحكومية دوراً هاماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد تضمن بيان الموازنة العامة زيادة الإنفاق الحكومي الرأسمالي لعام 2018 بنسبة تقدر 13.6 % وبمبلغ 205 مليارات ريال، بالإضافة إلى 133 مليار ريال المتوقع ضخها من خلال الصناديق التنموية وصندوق الاستثمارات العامة، مما يرفع حجم الإنفاق الاستثماري المتوقع إلى 338 مليار ريال، وهذا يعني زيادة المشاريع الحكومية، مثل مشاريع البنية التحتية والبلدية، وهذا بالتأكيد يؤثر على نمو القطاع الخاص والخدمات المقدمة للمواطنين، وقد استهدفت الخطة تعديل نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، بالإضافة إلى إنشاء وحدة للشراء الإستراتيجي، الأمر الذي سوف يحد من تعثر المشاريع وتقليل مخاطر الفساد فيها.

ثانياً/ تضمنت الموازنة أنه على صعيد سوق العمل من المتوقع انخفاض معدل البطالة إلى 12 %، وذلك بدعم من النمو الاقتصادي المتوقع، ورفع المقابل المالي على الوافدين، وكذلك برامج الإحلال، وهذه النسبة أصبحت هدفا رئيسيا لوزارة العمل، ويؤثر على أداء الوزارة في نهاية 2018.

ثالثاً/ تضمن بيان الموازنة أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة وتصحيح أسعار الطاقة قد يؤثر سلباً على المستوى العام للأسعار (التضخم) والاستهلاك (الركود )، إلا أن برنامج حساب المواطن ومبادرات تحفيز القطاع الخاص ستسهم إلى حد كبير في تحييد أثر هذه الإجراءات، وهنا يبرز دور حماية المنافسة في تفعيل آليات السوق (العرض والطلب) والرقابة على الأسعار.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قد صدرت الموافقة السامية على تحفيز القطاع الخاص واعتماد مبلغ إجمالي 72 مليار ريال لتنفيذ خطة التحفيز، وبالطبع فإن هذه المبادرات تحتاج إلى رقابة ومتابعة مستمرة من الأجهزة الرقابية مثل ديوان المراقبة العامة.

رابعاً/ أشار بيان الموازنة إلى تنفيذ إصلاحات مستقبلية، مثل تحفيز الاستثمار ورفع ثقة المستثمرين وبرامج الخصخصة والإنفاق الرأسمالي، ولا شك في أن جهود مكافحة الفساد لها دور مهم في تحفيز البيئة الاستثمارية في المملكة، بالإضافة إلى توفير الكوادر القضائية المتخصصة المؤهلة في الشريعة والقوانين المتخصصة في المجالات التجارية مع إنشاء المحاكم التجارية.

خامساً/ اعتمدت وزارة المالية في الموازنة المالية تعزيز آليات إدارة الأداء لضمان التزام الجهات الحكومية بالأهداف المالية، أي سقوف الميزانية وتوقعات الإيرادات، وهذا يعني أن كل جهة حكومية يجب أن تقدم تقارير دورية (شهرية أو ربع سنوية)، وعلى ضوئها تتم مقارنة المصروفات والإيرادات الفعلية بما هو مخطط في الموازنة مع تحديد الانحرافات إن وجدت ومعرفة أسبابها.

ولكي تنجح آليات المساءلة من الضروري أن يصادق ديوان المراقبة العامة على تلك التقارير المالية الدورية، وكذلك الحساب الختامي لكل جهة حكومية، ومن هنا تبدأ المساءلة والمحاسبة.

وفي الختام، فإن العام المقبل 2018 هو عام الجد والعمل لتغيير مسار التنمية الاقتصادية بمسار يفضي إلى الاستثمارات المنتجة وتحقيق النمو الاقتصادي المنشود، ولكن يجب الانتباه إلى المخاطر الاقتصادية والسياسية، وتفعيل الرقابة المالية وجهود مكافحة الفساد وسيادة القانون.