(1)

يهرب الآباء في مجتمعنا من إشكالات المدارس الحكومية التي ترزح تحت وطاة الأعداد (الخمسينية) في الفصول، وما يترتب عليه من عدم قدرة المعلم على المتابعة بأقل قدر من الاهتمام، كما ترتهن إلى افتقار معيب للساحات المناسبة للأنشطة والفسح الدراسية، كما أن ثمة آباء تهمهم معاملة أبنائهم معاملة حانية رقيقة، ولذلك يضطر هؤلاء الآباء إلى تحمل مبالغ تتجاوز ثلث الراتب الشهري أو نصفه أحيانا، من أجل الاطمئنان على فلذات أكبادهم في تلك المدارس الخاصة.

(ولعلني أمثل لهذا الخطاب ببعض مدارس البنات الأهلية، باعتبار المخفي فيها أشد ضراوة وألما)!



(2)

يصطدم هؤلاء الآباء بواقع أكثر قسوة وترهلا داخل تلك المدارس الخاصة، فالأعداد الخمسينية تقل فعلا للنصف، ولكنها داخل مساحات ضيقة تماما (حتى أن الطالب لا يحتل مترا مربعا واحدا من مساحة الفصل الدراسي الخاص)، كما أن ذلك المبنى التعليمي الخاص هو -في الأصل- مبنى سكني قديم، أصبحت غرفه وصالاته ومطابخه فصولا تعليمية بين عشية وضحاها، ومن عادة تلك المباني في مجتمعنا أن تفتقر إلى مقومات جمالية تستريح لها النفس، أو مقومات تصميمية يمارس فيها الإنسان طاقاته الممكنة في النشاط والحركة! (في ظل اشتراط البلديات لمساحة لا تقل عن 2500 متر مربع للمرحلة الابتدائية، نجد هذه المدارس قد شيدت في غفلة من الرقباء على مساحة لا تزيد عن 1000 مربع، كما تشترط تلك البلديات 20/100 من المساحة الكلية للفناء الخارجي، في حين نجد أن ذلك الفناء لا وجود له أساسا، حيث تحول إلى قبو تحتي مخيف)! كم أن تلك المدارس مدفوعة الثمن تفتقر إلى أدنى مقومات السلامة من سلالم للطوارئ وطفايات حريق ونوافذ وأبواب آمنة!



(3)

أما الآباء الذين حرصوا على عدم تعرض أبنائهم للقسوة أو للتجاهل من بعض معلمي المدارس الحكومية (مع تلك الأعداد الهائلة من الطلاب)، فإنهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، متى ما أدى بهم الحال إلى التعثر بالسداد، إذ تجبر الطالبة على الخروج من الفصل للساحات الحارقة داخل الأقبية، حتى لا تتمكن من استلام الكتب الدراسية التى وزعتها حكومتها الكريمة بالمجان، لأنه - في غمرة ذلك الحس التجاري الذي يعم الجميع من معلمات وإداريات - ليس ثمة اهتمام بالحالة النفسية للطالبة التي نبذوها في مكان قصي، لتمر بها زميلاتها ساخرات من أبيها الذي لا يمتلك مالا ليسدد كامل الرسوم، كما أن هؤلاء التجار لا يعبؤون بالصدمة النفسيه التى قد تسببها مديرة المدرسة لبنات هؤلاء المتعثرين عندما تأمرهن بفجاجة وهن المتفوقات المثاليات، ألا يعودوا إلا بحضور آبائهم للدفع طبعا! أي رعب نفسي تتعرض له طالبات المدارس الخاصة الواقعات بين مطرقة عجز الأب المتوقع أحيانا وسندان معلمات وإداريات برتبة تجار في سلعة التعليم.

وفي هذه الأثناء، فإنه من الواجب التربوي على تلك المدارس الأهلية أن تجعل الطالبة بمنأى عن تلك التوترات المادية، أما ما بين القسم المالي في تلك المدارس وأولياء الأمور، فيمكن حله عن طريق سبل الاستحقاق التي تعمل بها معظم المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، كربط تلك المدارس «ما دامت بتلك المادية التامة» بنظام «سمه» للقوائم السوداء، متى ما تمت صياغته صياغة واضحة دقية تكاملية «لكونه يزخر بالغموض والخفاء والعمل دائما ضد المواطن الغلبان».

(4)

وهذه المدارس الخاصة إضافه إلى تلك المحبطات، فإنها تصدر أكبر وهم، بقوة المستوى التعليمي الذي تؤديه والمواد الدراسية الجديدة التى تنهض بها، في حين أن معلمات هذه المدارس يتم اختيارهن «سكر في ماء» من قبل مالك المدرسة أو من ينوبها، والتى لا يتجاوز مستواها التعليمي المرحلة الثانوية أحيانا، وإلى أن يتم اكتشاف زيف هذه المعلمة، فإن الأمر يحتاج إلى شهور أو سنوات طويلة على حساب زمن العلم الحقيقي الذي تنتظره الطالبات مع إشراقة كل صباح!! ومع قوى الجذب المتبادلة بين المعلمات والمشرفة أو المالكة نفسها، بسبب قلة المردود المادي مع تراكم الأعباء، يكثر الإحلال والإبدال في منظومة المعلمات داخل المدرسة، مما يشتت الأهداف أو يجعلها هباء منثورا على طول المدى.

كما أن معظم تلك المدارس تنتج وهما آخر بتدريس اللغة الإنجليزية أو الفرنسية بأحدث الأساليب العلمية، في حين أن الواقع يثبت أن ما تدرسه الطالبة في المرحلة التعليمية كلها لا يتجاوز معرفة الحروف وبضع كلمات وقليلا من جمل التصبيح والترحيب المألوفة!!



(5)

لعل النماذج على تلك المنشآت التعليمية الخادعة جلية، أعرف أسماءها ولا أسميها «إلا لمن يهمه أمرها من المؤتمنين عليها»، لأن المسألة جد حاسمة، فهي تتعلق بالذهنية المهترئة التي سينشأ عليها جيل كامل من أبنائنا وبناتنا، مما يفضي بهم جميعا إلى الأتون الساكنة من التبلد، حيث لا معرفة (حقة)، ولا حضارة حقيقية، تنتظرنا بهم على الشرفات!