أعلنت وزارة التجارة والاستثمار وبالتعاون مع الهيئة العامة للزكاة والدخل، تكثيف جولاتها الرقابية على الأسواق والمنشآت التجارية في مختلف مناطق المملكة، وذلك لمتابعة أسعار السلع الأساسية والاستهلاكية، والتأكد من عدم رفع الأسعار أو التلاعب بها، وضبط أية ممارسات تجارية مخالفة بسبب تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي دخلت حيز التنفيذ مع بداية العام الجديد 2018.

لا شك أن هناك مخاوف من أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة وتصحيح أسعار الطاقة قد يؤثران سلباً على المستوى العام للأسعار (التضخم) والاستهلاك (الركود)، بعد ان بدأت بعض المحلات التجارية والمطاعم بإعادة تسعير منتجاتها من خلال إضافة قيمة الضريبة، وكذلك تكاليف الكهرباء والماء والرسوم المفروضة على العاملين إلى إجمالي التكاليف، وعليه زادت الأسعار بنسب متفاوتة، وبالتالي يعتقد أن ارتفاع أسعار السلع والخدمات قد يكون أمرا حتميا عند التاجر والمستهلك.

وليس هذا وحسب، بل بدأ البعض يدعو إلى ترشيد الاستهلاك والتقليل من المصاريف للتعايش مع الأسعار الجديدة والتقليل من تأثيراتها السلبية، ومن ذلك على سبيل المثال: التقليل من التنقلات والمشاوير لتوفير الوقود، البحث عن بدائل السلع الأرخص، ترشيد استهلاك الكهرباء وعدم الإسراف في المياه.. الخ.

بالإضافة إلى ما سبق، هناك نظرة تشاؤمية غير منطقية، تتوقع بأنه سيكون هناك ركود اقتصادي، واضطرار بعض الشركات والمؤسسات إلى الانسحاب من السوق والإغلاق، وخفض الرواتب، وتقليل النفقات والتكاليف عن طريق الاستغناء عن الموظفين والعمال!.

التحليلات ووجهات النظر السابقة هي بمثابة قراءة الطالع على ثقوب الغربال أو قراءة الحظ واستشراف المستقبل على فنجال قهوة، فليس هناك دراسات بحثية وأسس إحصائية اقتصادية توضح تأثير تطبيق ضريبة القيمة المضافة وانعكاساتها على الأسعار والاقتصاد، الأمر الذي يزيد من مخاوف الناس من المستقبل، وبالتالي اتخاذ قرارات غير سليمة.

فليس هناك مبرر واضح لارتفاع الأسعار بسبب ضريبة القيمة المضافة أو تعديل أسعار الطاقة، والذين قاموا باحتساب تلك التكاليف تجاهلوا تماماً انخفاض الأسعار الأخرى، ومن ذلك على سبيل المثال: انخفاض أسعار إيجار المحلات التجارية، إعفاءات وانخفاض الرسوم الجمركية، دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، آليات السوق (العرض والطلب)، هوامش الربح المرتفعة نسبياً في الأساس، تكاليف التخزين، فجميع هذه العوامل لها دور كبير في تحديد التكاليف وتسعير المنتجات.

وعلى هذا الأساس هناك دور مهم لهيئة حماية المنافسة في الرقابة على الأسواق، وضبط أية مخالفات تتعلق بالاحتكار أو اتفاقيات تحديد الأسعار بين الشركات، وهذا بدوره سيعزز المنافسة التجارية ناهيك عن دور وزارة التجارة في الرقابة على الأنظمة التجارية (التخفيضات، حماية المستهلك، العلامات التجارية)، وبالتالي يستطيع المواطن الاختيار بين البدائل المختلفة من السلع والخدمات ذات الجودة المناسبة، بحيث يستطيع استغلال مواسم التخفيضات والكوبونات، وكذلك الشراء الموسمي (الشتاء والصيف) واستغلال انخفاض الأسعار، وذلك عندما تعمل آليات السوق (العرض والطلب) بكفاءة وبشكل عادل، من خلال حماية المنافسة وحرية التجارة والرقابة الحكومية، حينها ستتنافس الشركات فيما بينها للوصول إلى المستهلك بأسعار أقل وجودة أفضل.

أما فيما يتعلق بترشيد الاستهلاك من قبل المواطنين، فكما هو معلوم فإن أقساط إيجار المنزل تشكل نسبة مهمة من ميزانية الأسرة ومصروفاتها، كما أن شراء أو بناء منزل يغرق الفرد بالديون ويجبره على التحول إلى بطاقات الائتمان البنكية لتحمل التكاليف المعيشية اليومية، ناهيك عن مصاريف الفائدة، ولتخفيف وطأة هذه النفقات، فإن لوزارة الإسكان دورا مهما في هذا المجال من خلال إعادة النظر في بعض البرامج والمنتجات السكنية، بحيث يتم التركيز على إنهاء المشاريع السكنية وتوزيعها، والتي ستسهم في انخفاض أسعار العقارات، بالإضافة إلى النظر في تمويل شراء منازل موجودة وجاهزة للتسليم وليست على الخارطة، وذلك حتى يستطيع المواطن شراء منزل يتناسب مع دخله ويستطيع تحمل تكاليفه أو يكون له الخيار في البقاء في منزل مستأجر حتى يتغير وضعه المالي.

أما بالنسبة لارتفاع أسعار البنزين، فإن ترشيد الإنفاق والتأقلم مع الأسعار الجديدة ليس بالأمر السهل، في ظل عدم وجود خيارات بديلة في مدن واسعة وكبيرة، فحتى يستطيع الفرد ترشيد النفقات فإنه لا بد أن يستقل مواصلات عامة أخرى مثل الباصات والقطارات والمترو، وبالتالي يجب الإسراع في إنهاء مشاريع النقل العام وتحفيز الاستثمار في هذا المجال.

بالإضافة إلى ما سبق، العديد من المواطنين مصدر دخلهم الوحيد هو راتب الوظيفة فقط، وحتى يكون هناك ترشيد في الاستهلاك والإنفاق لا بد أن يصاحب ذلك أيضاً تنمية للدخل وادخار للمال، وهذا يتطلب وجود قنوات استثمارية آمنة وقليلة المخاطر، مع تنويع الخدمات البنكية فيما يتعلق بهذا المجال، وخاصةً أن البنوك حالياً تركز على استهلاكات الأفراد وليس على استثماراتهم، ولهذا أجد من المناسب أن تكون هناك حملات توعوية مكثفة تتعلق بالتخطيط المالي للمواطنين مع تكامل الرقابة وتنفيذ المشاريع والبرامج الحكومية.