يقال في الصحافة الغربية، إن الصحافة السعودية غير قادرة على طرح الأسئلة الصعبة. والبعض يقول أسوأ من ذلك، إن الصحافة ليس لديها محترفون لصياغة أسئلة إستراتيجية، لذلك غالب الأخبار المهمة الكبيرة بخصوص التغيرات في السعودية ظهرت خلال الإعلام والصحافة العالمية مثل: بلومبيرج، وال ستريت جورنال، نييورك تايمز، وهذا غير صحيح، وسأشرحه لاحقا.

السؤال الذي غالبا ستطرحه الصحافة الغربية في أي لقاء جديد سيكون عن الريتز، وما بعد الريتز. وسأستبق الصحفيين الغربيين وسأطرح السؤال، بما أن موضوع الموقوفين في الريتز قارب على نهايته، خصوصا أن الفندق بدأ في استقبال طلبات الحجوزات، وبما أن ولي العهد الأمير محمد، بدأ نهجا في منتهى الشفافية مع الإعلام، بتركه الحرية لهم ليسألوا ما يهم المواطنين والبلد، خصوصا بعد إعلانه محاربة الفساد، ولا حصانة لأحد، ولم يخطر في بال أكثر المتفائلين حينها أن تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى، وأنه سيصل إلى هذا العلو.

وانتهاج ولي العهد الصراحة والشفافية في لقاءاته غيّر حتى تعاطي الإعلام العالمي في كيفية طرح أسئلته التقليدية عن المملكة، بغض النظر إن كان يحب المملكة قليلا، أو متحاملا عليها كثيرا، كما جرت العادة في الإعلام الغربي.

السؤال الأهم حاليا، بما أنه نحن في عصر المحاسبة: أين ستستثمر الـ 100 مليار دولار التي سيتم تحصيلها تقريبا من الموقوفين في الريتز، حسبما ذكرت الأنباء، هل هي موجودة في حساب خاص في وزارة المالية؟، وما آلية صرفها واستثمارها؟

خرجت بعض التسريبات عن إدارة الأصول المستردة! لكن ما آخر التطورات في هذا الملف؟

السؤال الآخر: نحن نعرف أن هناك تسويات عُملت، وأكون صريحا، أنا مع موضوع التسويات، لأنها الطريق الأقصر لاسترجاع الأموال، ولفائدة البلد أولا، والمصلحة العامة. ومبدأ التسويات معمول به في كل العالم، وليس جديدا، لكن أليس من الأفضل أن تشمل التسويات عدم الظهور الإعلامي لبعض المطلق سراحهم، وكأن الجميع كان بريئا؟

نحن لسنا مع الرأي القائل، إن التسويات هي مكافأة لهم، لعدة أمور، منها أن الوضع السابق كان المال «سايب» والكل يغرف للأسف، لكن حاليا وضعت حدود معينة، صعب على الجيل الحالي من المسؤولين أن يتعدّوها. وعلى الجيل القديم على الأقل الانزواء بعد ما حصل.

الصحافة الغربية تدعي أن إيقاف الفاسدين في الريتز يكلف ملايين الدولارات، وهذا صحيح، لكن في المقابل تم استرجاع مئات المليارات، ونحن ضد مبدأ «اسجنوه وأهينوه»، بل على العكس ربما عندما يعامل الفاسد برقي وكرامة يكون مدعاة كي لا يكابر ويرضى بالتسوية بسرعة وعن اقتناع، وكل شيء يأتي باللين، أما السجن والإهانة سيسببان مضاعفات وعنادا ليس لهما ما يبررهما، وأستغرب من الصحافة الغربية هذا الغمز وهم الذين يدّعون دائما حقوق الإنسان، لكن عندما يأتي الموضوع عن المملكة يصبح النقد لمجرد النقد. الصحافة السعودية التي من الممكن نقدها، ومن الممكن أيضا الإشارة إلى ضعف حضورها العالمي، لكن على الأقل تسير في اتجاه واحد وترتدي رداء متشابها نتيجة الظروف الاجتماعية والسياسية في المنطقة لعقود، لكن الصحافة الغربية الآن تكيل بمكيالين علنا جهارا، فيما يختص بالسعودية.

أحد الذين يعملون في أشهر صحف العالم، المعروف عنه كرهه المملكة، كتب كتابة لا تمت إلى المنطق بصلة، لدرجة أنك لا تقبل هذا التفسير من طالب صحافة في أدنى جامعات العالم، والجميع استغرب هذا الجدال والتفسير حتى زملاؤه.

الصحافة الغربية تطبق مع أخبار المملكة المثل الغربي الشهير، ترجمة حرفية -لا تعني اللعن- «عليك اللعنة أن تفعل وعليك اللعنة إن لم تفعل»، بمعنى لن أرضى إن فعلت ولن أرضى إن لم تفعل في كل الحالات.

السؤال الآخر المهم جدا حاليا: ماذا بعد الريتز؟

فعلا، تنظيف درج الفساد بدأ من أعلى، لكن ماذا عن وسط الدرج، وهم كثيرون وكثير من المنتفعين، ونأمل أن لا أحد فوق المساءلة، ونتمنى أن تستمر الموجة، ليس شرطا في الريتز، ولكن في فنادق أخرى، والشيء الآخر أعلى بنفس القدر من الأهمية هو الفساد الإداري، والذي لا يقل خطرا عن الفساد المالي، نحتاج دون مبالغة زلزالا يسقط كل الفساد الإداري وأعمدته، والذي استشرى في مؤسسات الدولة والبلد، وأصبحت شللية وعِزَبا عائلية، وتولى كثير من المناصب من هم ليسوا أهلا لها، فأوقفوا تنمية البلد وتقدمها بجهلهم وواسطاتهم.

دعوني أعترف، منذ بدأت الكتابة الصحفية وأنا أكتب عن الفساد، ولم أتوقع في يوم من الأيام أن يحدث ما حدث في حرب الفساد، كنا نظنها مستحيلات، لكن الأهم أن تستمر وتنظف كامل الدرج، فكل الشكر لقائد الوطن سلمان، أمير الرياض، الذي أحببناه عقودا، وملكها الحازم، والشكر جزيلا لولي العهد الشجاع.

وكل الشكر أيضا لقيادة البلد، أبي فهد وولي عهده، فقد تمنينا عليهم استثناء التعليم والصحة من القيمة المضافة في مقالنا السابق، وكنا متفائلين خيرا في القيادة، وكانوا على قدر التفاؤل بهم.