حاولت إسرائيل خلال العقود السبعة الماضية -وبصلافة- تبرئة نفسها ونفي أية مسؤولية لها عن ظهور مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وتجاهلت وشككت في وثائق ومخططات كشف النقاب عنها من يُطلق عليهم اسم المؤرخين الجدد، وأنصار تيار ما بعد الصهيونية وجنرالات قُدامى.

كما وجّهت -وفي مناسبات مختلفة- اتهامات إلى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، والتحريض ضدها.

وشكّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو رأس الحربة للهجوم المُعادي للأونروا بما تُمثله وترمز إليه. فقد دعا في يونيو عام 2017 إلى حل الأونروا التي «أبقت على مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بدلا من أن تحلها»، ولأن «التحريض على إسرائيل يسود المؤسسات التابعة لها».

واستهل أول اجتماع أسبوعي لحكومته عام 2018 بالقول: «الأونروا هي هيئة تم إنشاؤها منفردة قبل 70 عاما فقط، لصالح اللاجئين الفلسطينيين، وذلك رغم وجود المفوضية السامية للأمم المتحدة، المعنية بمعالجة قضايا بقية اللاجئين، مما يخلق بطبيعة الحال ذلك الوضع الهزلي، إذ تعالج الأونروا أبناء أحفاد اللاجئين الذين هم أنفسهم ليسوا باللاجئين، وهكذا دواليك تستمر 70 عاما أخرى، ثم سيعالج أبناء هؤلاء وبالتالي يجب وقف هذه المهزلة. الأونروا منظمة تخلّد قضية اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك تخلد رواية ما يسمى حق العودة، وذلك على ما يبدو، بهدف تدمير دولة إسرائيل، ولذا فيجب على الأونروا أن تتلاشى وتزول»، وكشف عن خطة لتحقيق هذا الهدف مفادها «تحويل أموال الدعم المنقولة حاليا للأونروا إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وذلك تدريجيا وبشروط ومعايير واضحة، بغية دعم اللاجئين الحقيقيين، بدلا من اللاجئين الصوريين الوهميين».

وقد شرحت، بالتفصيل، وثيقةٌ أممية جديدة صدرت في الأول من ديسمبر 2017 عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تحمل الرقم HCR/GIP/17/13، القواعدَ الأساسية لعملها لكنها تركز على كيفية احتوائها اللاجئين الفلسطينيين إذا أُقفلت «الأونروا» أو حتى عجزت عن القيام بدورها.

وجديد موضوع العلاقة بين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR و«الأونروا»، هو شمول منتفعي الأخيرة من الفلسطينيين بخدمات الأولى، لكن «بشروط» توضحها الوثيقة التي تتناول بالتحليل والتمحيص المادة المثيرة للجدل (1 د) التي تستثني منتفعي «الأونروا»، لكن خطورتها تكمن في فقرتها الثانية التي تتيح الانتفاع من برامج UNHCR في حال توقف الحماية والمساعدة من أي هيئة أو وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة، أي «الأونروا» في حالة اللاجئين الفلسطينيين.

ومن الجدير ذكره، أنه يختلف تعريف اللاجئ عند الطرفين، فـ«الأونروا» تذكر صراحة الحرب العربية - الإسرائيلية، وتحدد اللاجئين بالأشخاص الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم بين عامي 1946 و1948، وفقدوا بيوتهم ومورد رزقهم إثر الحرب عام 1948، وعرّفت النازحين، سواء كانوا لاجئين أو غير لاجئين، بعد احتلال إسرائيل القدس والضفة وغزة عام 1967. أما UNHCR، فتحصر اللاجئ في مَن «خرج من الحدود الدولية للبلد الذي يحمل جنسيته، وتعرّض للاضطهاد، ولم يعد يتمتع بحماية حكومته».

ومن ناحية أخرى، لا تسعى بدورها إلى معالجة الأسباب الجذرية للجوء، بل إلى التخفيف من نتائجها، على خلاف «الأونروا» التي تعترف بحق العودة، بل تمثل بوجودها أهم الشواهد على الاحتلال الإسرائيلي وآثاره.

وقدّمت «المفوضية الساميةUNHCR، حلولها لمشكلة اللاجئين بما يأتي: العودة الطوعية إلى البلد الأصلي غير وارد في الحالة الفلسطينية، لأنه «لا بلد» أصليا للاجئين عام 1948، بعد اعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل عام 1949، أو التوطين في بلد اللجوء وهنا يخرج اللاجئ من نطاق خدمات المفوضية في حال حصوله على جنسية بلد يستطيع حمايته، وهذا الحل يسقط حق العودة لكل الفلسطينيين في الأردن ممن يحملون أرقاما وطنية تثبت أردنيتهم. والحل الأخير توطين اللاجئين في بلد ثالث، أي أن المفوضية ستعمل كوكيل توطين كما حدث مع الفلسطينيين في العراق واللاجئين القادمين من سورية بعد الحرب إلى الأردن، ثم حصولهم على لجوء في دول أوروبية وكندا.

وبخلاف رأي نتانياهو ترى وزارة الخارجية الإسرائيلية في خفض المساعدات المالية لـ«الأونروا» دفعا باتجاه تفجر الأوضاع في قطاع غزة تحديدا.

وتحت عنوان «إسرائيل تعرف أنه لا بديل للأونروا» كتبت الصحفية ليئورا شيؤون في صحيفة «هآرتس»، «الفرحة في إسرائيل بالتهديد الأميركي بوقف المساعدات عن وكالة الغوث والتشغيل الأونروا، إذا لم تعد السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات، تذكرنا بالأسطورة عن شخص أعطيت له فرصة أن يتمنى أمنية بشرط واحد: كل ما يطلبه سيحصل جاره على ضعفه. الشخص فكّر مليا وعندها طلب أن يفقؤوا له عينا من عينيه. بشكل مشابه، المسّ بالأونروا إذا حدث سيضر كثيرا الفلسطينيين، وفي الأساس سكان قطاع غزة. ولكن دون شك سيضر إسرائيل أيضا».

وذكرت أن «إسرائيل تتهم الأونروا وبحق بتضخيم عدد اللاجئين. في حين أنه في 1950 كان هناك 750 ألف فلسطيني لاجئ مسجل، فقد ارتفع العدد إلى 5 ملايين فلسطيني الآن. الزيادة لا تنبع فقط من التكاثر الطبيعي، بل من المعايير المتحررة جدا لهذه المنظمة في تعريف اللاجئين».

لكن «الأونروا هي مزودة الخدمة الثانية من حيث حجمها في المناطق بعد السلطة الفلسطينية. هي تشغل نحو 30 ألف موظف، من بينهم أقل من 200 هم موظفو الأمم المتحدة من أوروبا وأميركا الشمالية. والباقون هم معلمون وممرضون وسائقون وموظفون وعمال صحة، وهم فلسطينيون يمثلون الشارع الفلسطيني، بما في ذلك حماس. الأونروا في أعقاب ضغط أوروبي وأميركي، تقف وراءه إسرائيل، تحاول تقييد تدخل موظفيها الفلسطينيين في نشاطات حماس والإرهاب. مثلا، عندما كشفت الأونروا في الصيف نفقا إرهابيا تحت مدرسة في غزة، أبلغت إسرائيل وأغلقت النفق».

إن انتهاء عمل الأونروا يتم بتحقيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وفق القرار الدولي 194، وسيبقى تجديد ولاية الأونروا كل 3 سنوات، أمرا روتينيا يتم بشكل أوتوماتيكي.