في كل عطلة نهاية أسبوع، أو العطل القصيرة والطويلة الأخرى التي تتخلل العام الدراسي، أجد نفسي كأم لطفل دون سن المدرسة حائرة، وأطرح على نفسي والآخرين السؤال الآتي: إلى أين آخذ ابني لنقضي معا وقتا ممتعا أو مفيدا في مدينتي؟

الحدائق ليست خياري الأول لأسباب عديدة منها مستوى النظافة، وعدم ملاءمة الجو أيام الحر الشديد، وعدم وجود حديقة مؤهلة بالقرب من مقر السكن. وحتى الحدائق الأخرى البعيدة ولكن الجيدة نسبيا باتت تعاني سلبيات جديدة مثل ظهور الباعة المتجولين الذين طوروا من حرفتهم، فصاروا لا يبيعون السلع وإنما خدمات الترفيه! صار من الطبيعي أن تذهب لحديقة عامة وتجد من يطالبك بدفع عشرة ريالات لينط ابنك نطتين على «نطيطة جواله»، أو مبلغ أكبر ليستأجر سيارة إلكترونية تجذب انتباهه بأنوارها وأصواتها وأشكالها المتنوعة. وهم يمارسون هذا النشاط على مرمى حجر من مبنى أمانة جدة. تجرأت وسألت أحدهم: لديكم ترخيص من الأمانة؟ فقال نعم! وفي الحقيقة ليس لديهم طبعا. كما أن بعض المراهقين يلعبون الكرة وسط ألعاب الأطفال الأصغر سنّا، وبالتالي يمكن أن يتسببوا بإيذائهم.

الخيار الثاني، هبة الله لجدة، وهو البحر، والذي صار حاليا مع الواجهة البحرية الجديدة، مقصدا لسكان المدينة وزائريها، وسعدت لتوفر نشاطات متنوعة فيه للأطفال، مثل المراجيح والشواطئ الرملية والأماكن المخصصة للسباحة مع مرافقها، والتي أتمنى أن تواصل الأمانة الاهتمام بها، والحرص على نظافتها وسلامتها من التخريب. فما زال من المؤسف أن يقف المرء على كاسر الأمواج ليستمتع بمراقبة الموج العالي فإذا ببصره يتلوث بما يراه من قاذورات على الشاطئ. ولا أعرف متى سيصل مستوى الوعي لدينا كأفراد وجماعات بحيث نحافظ على بيئتنا.

ومع تميز الواجهة البحرية فأنت لن تزورها كل يوم، أو حتى كل أسبوع، فالناس تمل، كما أن الصغار يحتاجون إلى نشاطات متنوعة ومختلفة تسعدهم وتنمي مهاراتهم.

في كل مرة كنتُ أقرأ فيها عن برامج هيئة الترفيه كنت أهز رأسي، فبرامجها يظهر أنها لا تخاطبني ولا تلبي احتياجات عائلتي، كما أنني لن أقضي 4 ساعات ما بين ذهاب وعودة (مع طفل صغير) من وإلى مدينة الملك عبدالله لحضور مناسبة واحدة قد لا تزيد على الساعتين، ناهيك عن أن أسعار التذاكر غالبا توازي تذكرة سفر خارج المملكة.

كنت أنتظر من هيئة الترفيه أن تهتم بشرائح المجتمع المختلفة، الصغار وهم فئات، والكبار وهم فئات، وبأولئك المنتمين إلى مدارس فكرية مختلفة ومتنوعة، وأن تهتم بشكل أخص بالترفيه الذي فيه ديمومة، أي بناء المنشآت الترفيهية التي يمكن زيارتها في أي وقت. كما من المهم الالتفات إلى الترفيه المنخفض التكلفة أو حتى المجاني، مع توفير خيارات ترفيه أغلى لمن يرغب في ذلك ويستطيع.

في فصل الصيف سافرنا خارج المملكة، وزرنا إحدى مدن الأطفال (ليغولاند) المخصصة لمن هم ما بين عمر

 2 - 12 سنة تقريبا، وهي مثالية لمن أعمارهم ما بين 3 - 6 خاصة من الصبيان. بعد العودة ببضعة أشهر ظل يخبرني كل مساء قبل النوم بأنه يرغب في زيارتها من جديد، فأخذت أبحث عن أقرب فرع لهذه المدينة، فوجدتها في دبي! وهكذا تحملنا تكلفة تذاكر سفر وإقامة فندق وإعاشة ليومين وسيارة أجرة فقط لنزور مدينة ملاهٍ في دول مجاورة! وطوال الرحلة كنت أتساءل لماذا نفتح فروعا للمطاعم والمحلات الأجنبية بكل سهولة في بلادنا، بينما لا يحدث الشيء نفسه في قطاع الترفيه؟ خاصة أننا نتحدث عن مدينة للأطفال، أي لا توجد محاذير شرعية أو اجتماعية مرتبطة بها، ومدينة الملاهي هذه لديها فروع في عدد كبير من دول العالم. أليست جدة بعدد سكانها، وعدد زوارها كونها بوابة الحرمين، يفترض أن تكون الخيار الأمثل للاستثمار السياحي الأجنبي في المنطقة؟ ما الذي يمنع؟

تفتقد جدة أيضا، وهي المدينة الساحلية، حيث يجيد ويعشق جل أهلها السباحة، وجود مدينة ألعاب مائية متكاملة، أو حتى مسابح في الأحياء بمبالغ رمزية. وليس فيها، وهي المدينة الحارة معظم أيام السنة، مدينة ثلجية تطفئ حرارة الجو، ناهيك عن عدم وجود مدينة ملاهٍ ضخمة على المستويات التي نشاهدها في الدول الراقية، بل حتى بعض الدول المجاورة.

في كل مرة أزور دبي أجد فيها مرفقا سياحيا جديدا، وهو في الغالب يناسب الصغار والكبار، آخرها حديقة استوائية استمتع فيها ابني بمشاهدة الطيور الملونة الغريبة ولمس الثعابين الكبيرة!

قد يكون السفر متاحا لي أحيانا ولغيري مرة أو مرتين في السنة، ولكننا لن نسافر طوال السنة ولا في كل عطلة أسبوع، وهناك من بيننا من لا يتاح له السفر إطلاقا خارج المملكة لأسباب مادية أو اجتماعية أو صحية أو غيرها. فهل يحرمون هم وأولادهم من المتعة لأن هيئة الترفيه لا يدخل ضمن اهتمامها الأسر والأطفال بنفس الدرجة التي تهتم فيها بالمراهقين والعزاب؟ أو لأن أحدا أفهمها بأن الترفيه يعني حفلة غنائية!

انتهى مقالي ولم أجد بعد إجابة لسؤالي: إلى أين أذهب مع ابني في هذه الإجازة؟