«يميل العرب إلى التحدث عن أمجاد الأجداد مثل صلاح الدين ومعارك حطين واليرموك، وحينما يفعلون ذلك فإننا نبتسم لأنهم يرون أنفسهم في مرآة الماضي، أما نحن فإننا نراهم في مرآة الحاضر..» هذا ما قاله موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق.

نعم إن مرآة الحاضر تشعرنا بالخجل بسبب الكثير من الأخطاء الإستراتيجية والسياسية والعسكرية التي ارتكبها العرب منذ مئة عام، بداية من «الثورة العربية الكبرى» ثورة الشريف حسين ضد العثمانيين التي انتهت مغبتها بالاحتلال البريطاني لفلسطين، مرورا بنكبة 1948 بعد خروج بريطانيا وقيام إسرائيل، ووصولا إلى نكسة 1967 وسقوط كامل القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك في أيدي الاحتلال الإسرائيلي الغاشم. ولأن هذا ليس موضع السرد التاريخي فلن أضطر للولوج فيه أكثر.

العجيب أن وعد ترمب المتعوس جاء بعد مئة عام من وعد بلفور المشؤوم بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. وكلاهما كما قيل: «وعد من لا يملك لمن لا يستحق». فسبق وأن وعد ترمب في حملته بالانتخابات الرئاسية الأميركية أنه سيعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل وينقل السفارة الأميركية إليها، وبالفعل فقد أوفى بوعده عندما ظهر قبل أيام بخطابه المتحيز والذي فاحت منه رائحة الصهيونية، دون أن يأبه لمشاعر العالم الإسلامي وما للقدس من مكانة دينية كبيرة لدى المسلمين. لكن ترمب آثر إرضاء ثمانية ملايين يهودي على حساب أكثر من مليار وسبعمئة مليون مسلم، بعد كلامه المستفز الذي يتضمن تحريفا وتزويرا للتاريخ، وانتهاكا صارخا لمقدسات المسلمين؛ وما أصدر هذا الاعتراف إلا مكافأة منه للوبيات الصهيونية الأميركية التي ساعدته ودفعت به لسدة الرئاسة.

وفي ظل ضعف وهشاشة قرارات الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ما زال الكيان الصهيوني مستمرا في تنفيذ مخططاته الخبيثة لتهويد القدس وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى، وفي سبيل ذلك يحاولون تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ثم مكانيا على غرار المسجد الإبراهيمي الذي نجحوا في تقسيمه زمانيا ومكانيا بين اليهود والمسلمين. يضاف إلى ذلك اختناق القدس بطوق المستوطنات اليهودية الذي عزلها عن محيطها الفلسطيني في الضفة الغربية، لا سيما جدار الفصل العنصري الذي أعاق الكثير من الفلسطينيين عن الوصول إلى القدس والصلاة في المسجد الأقصى المبارك. وبالتالي نحن نعوّل على الدولة الإسلامية وقادتها أن يتخذوا إجراءات مؤثرة وقوية للضغط على الإدارة الأميركية للعدول عن هذه الحماقة السياسية التي اقترفتها بحق القدس الشريف، والقمة الإسلامية الطارئة في إسطنبول فرصة للتحرك في هذا النحو، فإذا لم نستطع ثني ترمب عن اعترافه المشين، سيكون بلا شك مشجعا لغيره من الدول الغربية ذات النزوات المشابهة لاقتفاء منواله، ومحاولة فرض الأمر الواقع على فلسطين.

ويقع على عاتق منظمة التعاون الإسلامي مسؤولية كبيرة في الدفاع عن قضية القدس، بصفتها أكبر منظمة حكومية ودولية بعد الأمم المتحدة، والمظلة الجامعة للدول الإسلامية، ولكون المادة الحادية والعشرين من ميثاق المنظمة الذي وضعته الدول الأعضاء، ينص: «يكون مقر الأمانة العامة في جدة إلى أن يتم تحرير القدس الشريف لتصبح المقر الدائم للمنظمة». كما يجب أن يكون للمنظمة دور فعّال في إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، فهذا الظرف الخطير والطارئ يحتم على الجميع وضع الخلافات جانبا، وضرورة توحيد الصف الفلسطيني ومن خلفه الصف العربي والإسلامي في مجابهة العربدة الصهيونية.