شكّلت التكاليف الباهظة لانتشار قوات الاتحاد السوفييتي خارج حدود الدولة سببا رئيسا في انهياره، وفي المقابل، شكّل التقليص الكبير لعدد القواعد العسكرية في الخارج خطوة مهمة في بناء روسيا الاتحادية.

وقبل سنوات قليلة، كان انتشار القواعد العسكرية الروسية يقتصر على الوجود على عدد محدود من دول العالم منها: سورية، حيث كانت توجد فيها قاعدة واحدة في مدينة طرطوس، وأرمينيا التي وُجِدت فيها قاعدتان عسكريتان: الأولى، هي القاعدة 102 الموجودة في غيورمي. والثانية هي قاعدة إيريبوني في العاصمة ييريفان.

وفي بيلاروسيا وُجِدت منذ عام 2002 محطة رادار روسية من نوع فولغا بالقرب من هانتسافيتشي. وبالقرب من مدينة بارانوفيتشي يوجد مقر القاعدة الجوية الروسية رقم 61.

وتركز الوجود العسكري الروسي في منطقتي أبخازيا وأوستيا الجنوبية. في أبخازيا توجد القاعدة العسكرية السابعة بالقرب من مدينة غوداوتا، ويوجد بها حوالي 3500 جندي روسي. في أوستيا الجنوبية توجد القاعدة العسكرية الروسية الثانية، ويوجد بها نحو 4000 جندي روسي.

وفي كازاخستان توجد محطة رادارات روسية تدعى دنبر، بالقرب من بحيرة بالخاش، كما توجد محطة اختبارية للأسلحة المضادة للصواريخ الباليستية تدعى ساري شاغان.

وتوجد في قيرغيزستان قاعدة عسكرية روسية، كما يوجد بها مركز الاتصالات التابع للأسطول 338 البحري الروسي. إضافة إلى وجود منشأة اختبارية للأسلحة المضادة للطوربيدات الخاصة بالغواصات.

وفي مولدوفا توجد قوات لحفظ السلام الروسية في منطقة ترانسنيستيريا، يبلغ عددها نحو 1500 جندي، تحوي أسلحة مضادة للطائرات.

وتوجد في طاجيكستان مقر القاعدة العسكرية الروسية رقم 201، والتي تحوي حوالي 7500 جندي روسي.

وفي فيتنام يتجسد الوجود الروسي في قاعدة كام ران، وتم عام 2002 سحب القوات الروسية من القاعدة، لكنها عادت من جديد في أعقاب توقيع اتفاقية جديدة بين الجانبين الروسي والفيتنامي.

وفي أوكرانيا، يتركز الوجود العسكري الروسي تحديدا في منطقة شبه جزيرة القرم التي تمكنت روسيا من ضمها إليها في أعقاب الاستفتاء الذي أجري عام 2014.

وفي ذلك العام، وتحديدا في أوائل مارس 2014، ذكر وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، أن موسكو تسعى إلى إقامة وجود عسكري في فنزويلا ونيكاراجوا وكوبا وسنغافورة، وذلك لتحقيق هدف توسيع نفوذ روسيا على الصعيد العالمي.

وذكر لي معظم المحللين السياسيين والعسكريين في واشنطن، أن روسيا على الأرجح لا تفكر في إقامة قواعد عسكرية متطورة في فنزويلا أو نيكاراجوا أو كوبا، وإنما محطات صغيرة لتزويد السفن والطائرات الحربية بالوقود. بل إن الرئيس الروسي يريد أن يبعث برسالة إلى الولايات المتحدة، تفيد أنه إذا واصلت واشنطن التعدي على محيط روسيا، فإن موسكو سترد بالمثل.

واعتقد محللون أن روسيا التي تواجه مشكلات اقتصادية، بسبب ضعف أسعار النفط العالمية، ربما ترغب في إقامة وجود عسكري في فنزويلا ونيكاراجوا وكوبا، لزيادة مبيعات الأسلحة لهذه الدول. وبلغت قيمة مبيعات روسيا من الطائرات الحربية والمعدات العسكرية في أميركا اللاتينية حوالي 14 مليار دولار، منها ما يقرب من 80% لفنزويلا، حسبما ذكرته شركة روسوبورون إكسبورت الروسية لتصدير الأسلحة.

كما شكك مسؤولون أميركيون في إمكان أن تقيم روسيا قواعد عسكرية في أميركا اللاتينية. وعلى سبيل المثال، يحظر دستور نيكاراجوا إقامة المنشآت العسكرية الأجنبية. أما الأرجنتين، فقد وافقت على استضافة قواعد عسكرية روسية على أراضيها.

ورغم أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أعلن أخيرا، أن روسيا لا تحتاج إلى عدد لا متناه من القواعد العسكرية في الخارج، وأن مثل هذا الانتشار مكلف. ثمة مؤشرات تفيد أن موسكو، ولاعتبارات جيوبوليتيكية واقتصادية، تدفعها إنجازاتها في سورية نحو توسيع خريطة انتشار قواعدها العسكرية لتشمل كلا من: السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا ومصر.

وتبلغ كلفة تشغيل القواعد العسكرية في الخارج -دون احتساب كلفة تشييدها- نحو نصف بليون دولار سنويا. أي أن الأعباء الاقتصادية المترتبة على بناء قواعد عسكرية روسية في الخارج، كبيرة. ولا يستهان بمسألة المرابطة العسكرية الروسية خارج الحدود.

وعلى غرار روسيا، توسع تركيا انتشارها العسكري في الشرق الأوسط، وإفريقيا حتى بات الجيش التركي يوجد عسكريا في 5 دول عربية بطرق مختلفة. وتوجد القواعد العسكرية التركية في كل من: سورية والعراق وقطر الصومال والسودان.

وهناك دول أخرى مثل الصين واليابان تسعى إلى إقامة قواعد عسكرية في الشرق الأوسط وقرب الممرات البحرية الإستراتيجية، فضلا عن القواعد الأميركية والفرنسية والبريطانية الموجودة حول العالم.

ولعل الأمر الذي يجدر التذكير به، هو أن امتلاك قوة بحرية كبيرة، وأهدافا جيوبوليتيكية إستراتيجية، هو شرط توافر مردود جيد لوجود قواعد عسكرية وليس العكس. فضلا عن أنه في بعض الأحيان تحقق الدولة المضيفة للقواعد العسكرية فوائد أكثر من الفوائد التي تحققها الدولة التي ترسل قواتها إلى خارج حدودها.