وفقا لمعجم «ويبستر» الأميركي الشهير تم تصنيف مفردة النسوية كأكثر كلمة انتشارا في أميركا خلال عام 2017. ولعل التداول الكبير لهذا المصطلح مؤخرا يعيدنا لتاريخ هذه المدرسة، أو بالأحرى المدارس النسوية في العالم الغربي حيث بدأت.

كانت بداية النسوية مرتبطة بالمطالبة بالعدالة الاقتصادية والسياسية بين الرجل والمرأة في القرنين الثامن والتاسع عشر، وتحديدا جاءت النسوية بالتزامن مع إيقاف توريث العقار للأم والزوجة، وحصر ملكيته على الرجل، وكان أحد أهم الناشطين في هذه الحقبة النسوية المسماة بـ«الموجة النسوية الأولى»، رجال، وعلى رأسهم البريطاني «جون ستيوارت ميل» الذي أشار إلى الحاجة للاعتدال في الميراث، ومنح المرأة حقوقها العقارية والاقتصادية، ثم بعد زيادة الوعي في هذا الجانب توسعت المطالبات النسوية في أوروبا وأميركا لتشمل الحرية الفردية، سواء للرجل والمرأة، والتفريق بين الجنس البيولوجي في جهة والذات والشخصية في جهة أخرى، وأبرز الباحثات في هذا السياق «جيرمين جرير» و«بيتي فريدان». اهتمت هذه المرحلة أو «الموجة النسوية الثانية» باستقلالية المرأة من ناحية فكرية وذاتية وسيكولوجية بشكل يتزامن مع استقلاليتها الحقوقية الاقتصادية التي سبق المطالبة بها. وثالثا بعد أن تطرقت النسوية للمرأة من النواحي الاقتصادية والقانونية والشخصية وصلت النسوية في مطلع الثمانينات والتسعينات الميلادية إلى مرحلة أكثر عمقا تنظر فيها للثقافة المجتمعية والسائد شعبيا، حيث إن تلك سياقات يتم من خلالها صناعة القوالب والتنميطات عن المرأة، وأبرز باحثات هذه المرحلة النسوية «نعومي وولف»، و«بيل هوكس». وتركز هذه المرحلة أو «الموجة النسوية الثالثة» على أنه حتى لو تم منح المرأة حقوقها القانونية والاقتصادية بالإضافة إلى الاستقلالية الفردية، فهي تظل مقيدة ثقافيا واجتماعيا بالتزامات ظاهرية تفرض عليها أدوارا محدودة مما يعرقل مساهمتها التنموية. مثلا، إحدى مشكلات المرأة التي عرجت لها الموجة النسوية الثالثة تتمحور حول شكلها وصورتها ومظهرها، وكيف يتوقع من المرأة اجتماعيا أن تحقق معايير جمالية عديدة، أو تواجه الرفض ولعله على سبيل المثال من المواد الإعلامية المعاصرة التي تنقدها الموجة الثالثة من النسوية هو «الكارديشيانز» أو الفاشنستات اللواتي تتم مشاهدتهن في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي ممن يختزلن الأنوثة في المظهر والقشور الخارجية دون اعتبار للجوهر والمضمون. من وجهة نظر الموجة النسوية الثالثة أن ظلم المرأة في هذه الحالة ليس بالضرورة محصورا على الاقتصاد والقانون والاستقلالية الفردية، لكنه أيضا قد يمرر عبر الثقافة الجمالية والنظرة التجسيدية للمرأة، الأمر الذي يعمل كنوع من القوة الناعمة لإبطاء تفعيل مساهمة المرأة فعليا في التنمية الوطنية، وانخراطها في كافة السياقات المهنية بالشكل المطلوب. وأنا هنا لا أتكلم عن السعودية أو الخليج، بل عن كافة الدول دون استثناء أي دولة، حيث إنه وفقا لماكينزي، لو تم تمكين المرأة عالميا على كافة الأصعدة سياسيا واقتصاديا وقانونيا وسيكولوجيا واجتماعيا وثقافيا فإنه ما يزيد على الـ12 تريليون دولار سيضاف لإجمالي إيرادات العالم وفي فترة وجيزة. و12 تريليون دولار رقم ضخم جدا يمكن أن يجعل العالم مكانا أفضل للعيش، وهذا ليس رأيا أو ادعاء، بل حقيقة جاءت بها الدراسات والأبحاث.

أما المرحلة الرابعة للنسوية والأخيرة فقد اهتمت بتعزيز جميع ما جاءت به تلك المدارس السابقة، وقد بدأت في مطلع الألفية على يد باحثات مثل «كات بانيارد»، و«لوريا بيني». اهتمت هذه المرحلة أيضا بإعادة المطالبة ببعض الحقوق التي لم يتم تفعيلها بشكل فعلي أو كلي، وقد أسهم قدوم الإنترنت وتقنيات الاتصال الحديثة في خدمة هذه المرحلة النسوية على وجه الخصوص. ولكن، اختلفت وجهة نظر المدارس النسوية في هذه المرحلة تجاه الإنترنت، حيث ترى بعض الباحثات النسويات أن التقدم الاتصالي والتقني أدى إلى زيادة الوضع النسوي سوءا عبر تسهيل نشر محتويات مثل المقاطع غير اللائقة، وعدم تمثيل المرأة بشكل جيد، بينما ترى أخريات أن الإنترنت أسهم بشكل كبير في تثقيف وتعليم المرأة بحقوقها ودورها، مما يجعل له أثرا إيجابيا. وأخيرا، بالنظر لهذا التاريخ النسوي الطويل، والممتد لمئات السنين، والمتفرع، والمتعدد في مدارسه وآرائه والزوايا التي ينظر من خلالها للأمور، يمكن القول إنه بات من غير المنطق الحكم على النسوية بوصف واحد دون الإشارة إلى المدرسة أو الباحثة أو الرأي المقصود فقط، لنكون أكثر دقة ووضوحا عند الحديث عن موضوع بأهمية وحجم موضوع المرأة.