لا أعرف إن كنتم شاهدتم ناقة قد مات صغيرها أو لا، لكنها لحظة لا تقل ألماً عن رؤية إنسان فقد صغيره، تلك الدموع وذلك الأنين والسقوط في اللا مكان ورفض الطعام، كإعلان نهائي لرفض الحياة كلها تدفع صاحبها لعمل يسمونه البدو «التضيير»، وهو يعني أن يتم خداعها بإغلاق حاسة الشم عندها بلف «شماغ» على أنفها ثم البدء بحشو رحمها بكل ما يمكنه إشعارها بالامتلاء حتى تظن أن صغيرها دخل في بطنها وليس في الأرض، ثم يبدأ صاحبها بإخراج الحشوة بعد إحضار حوار جديد قد تكون أمه ذبحت ويترك ليرضع منها حتى تصبح رائحته رائحة حليبها، ثم يتم نزع الخرق عن أنفها فيختلط عليها الأمر وتظن أن الحوار الجديد هو صغيرها.

إنها كائن عجيب، لذا تقول المرويات التي نظرت إليه وإلى سلوكه أنه مخلوق من الجن، لكن الله فقط لا يطلب أن نبحث عن أصل خلقتها، بل فقط النظر في إعجازه سبحانه في خلقها، فقال: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت).

إن وجود الجمال كجزء من تراثنا العربي كله وليس البدوي فقط، واستخدامه كرمز ثقافي يجتمع الناس حول سباقاته، هو أمر لا مفر منه، وهو يحدث في كل مكان في العالم، انظر لسباق الخيل أسكوت الذي تحضره الملكة البريطانية ويعرف بأنه مهرجان اقتصادي تدار فيه المليارات، وتتسابق فيه الخيول في عدة جوانب، فهل الإبل أقل أو نحن أضعف من أن يكون لنا مضمارنا ومهرجاننا مما هو مصدر فخرنا وعزنا، وأحد الكائنات التي ساعدت الأجداد على البقاء في هذه القفار التي لا يصمد فيها كائن حي؟

ولقد راقبت الدولة سنين طويلة مهرجانات «مزاين الإبل» وكما يبدو كانت رقابة المتفحص الذي قرر أن تصدر الدولة مهرجانها بنسخة راقية متحضرة خالية من كل ما تم انتقاده في الماضي من مهرجانات دعت للعصبية والإسراف.

إن ما قدمته الدولة هذا العام للمزاين بمهرجان جائزة الملك عبدالعزيز للإبل -رحمه الله- بتصنيف الإبل، وتنظيم الفعاليات المصاحبة، ومراقبة التحكيم، وسن القوانين، هو أنموذج حقيقي لاقتناص الجمال وتهذيبه، ودفع الناس إلى كل سلوك راقٍ خلال فعالية تستجيب لمشاعر ملايين السعوديين المنحدرين من أصول بدوية، وهم غالب الشعب السعودي، ليكون هذا المهرجان فرصة حقيقية ليرى الصغار تاريخ الأجداد، وينهلوا من معين تجربة الصحراء التي كان العرب يرسلون أطفالهم ليتعلموا الأخلاق واللغة من أهلها، وقبلهم كان صلى الله عليه وسلم وبتقدير إلهي نشأ في بادية بني سعد في السنوات الأهم في حياة كل طفل، ليتعلم الرجولة والخلق والشهامة والفروسية.

بل إن في تاريخ الموحد الملك عبدالعزيز تجربة سنوات وطفولة في صحراء الربع الخالي قال المؤرخون إنها أكسبته القوة والجسارة.

إن ذلك يدعوني للقول إن «مزاين الإبل» مجرد أداة، فلما كانت بلا تقنين وبلا إشراف تبعها الكثير من المظاهر السيئة، ولما احتضنتها الدولة رأينا كيف استمتع الناس ونهضت التجارة، وكسبت العائلة السعودية مناسبة ترفيهية لا تخلو من المعرفة.

دعونا نتمنى أن تستمر هذه النظرة الاستثمارية والتطويرية التي تنتهجها الدولة لتشمل الكثير من الأمور التي حفلت بانتقادنا في الماضي، وبقي كثير يدافعون عن أهميتها لنصل إلى حل يرضي الجميع كما حدث في مهرجان الملك عبدالعزيز -رحمه الله- للإبل.