تداول الجمهور في الآونة الأخيرة مقترحا لمشروع حماية الذوق العام ينوي أن يناقشه مجلس الشورى خلال الفترة المقبلة؛ وينص نظام هذا المقترح على تحديد خمس وأربعين مخالفة تتوزع على أربع فئات، لها عقوبات خاصة تتفاوت بين السجن والغرامة المالية أو كليهما.

نظام كهذا في حال إقراره فإنه سيحدث نقلة هامة في التصرفات السلبية السلوكية والاجتماعية الشائعة، ولكن إدخال عبارة الذوق العام في نص قانون مهم كهذا يحتمل عدة معان وأوجه تتفاوت من فهم شخص لآخر وأسلوبه في الحياة.

«الذوق العام» عبارة فضفاضة واستخدامها بشكل مرسل في نظام تترتب عليه عقوبات وجزاءات متفاوتة قد يربك المعايير الخاصة للأفراد، مع الاتفاق أن هناك خطوطا عامة قد تلتقي عندها الأذواق ولكنها لا تجبر عليها. فمثلا لا يروق لي بشكل شخصي رؤية شخص من الجنسين يمضغ اللبان أثناء الحديث معه فهل ينبغي أن تتم معاقبته؟ 

ترك المعايير مرسلة تحت كلمة الذوق العام خاصة فيما يتعلق بالجوانب الشكلية قد يتسبب في تكرار ما ارتكب من تجريم وتحريم في شكليات الحجاب للمرأة، وأصبح يغلب لدى الكثير نمط واحد للحجاب الإسلامي وجيرت لأجله الأدلة والاستشهادات، ويمكن قياس هذا على اللحية للرجل وإسبال الثوب والشعر الطويل وما شابه.

من ضمن المخالفات التي أشير لها في مسودة النظام تحت مسمى مخالفة الذوق العام: «المضايقة والتحرش بالمارة، عرض الأرقام أو وسائل التواصل بأي طريقة، التنمر الإلكتروني والتحرش والممارسات العنصرية والشتائم»؛ ولأن مسمى الذوق العام كما ذكرنا فضفاض وعائم فإن مثل هذه المخالفات يجب أن تدرج تحت مسمى «جرائم»، ويكون لها مع أمثالها قانون خاص للحماية من التحرش والمضايقات. أما المخالفات التي تتعلق بالطرق كرمي المخلفات أو تركها في الحدائق وأماكن الجلوس، وقطع الأشجار وإتلاف الممتلكات العامة فيتم إدراجها ضمن المخالفات المرورية مع استحداث بنود تتعلق بحماية البيئة والأماكن العامة.

محاولة تقييد هذه المخالفات لأنظمة موجودة أو مستحدثة، وتسميتها كجرائم ومخالفات لا تخضع للتأويل والتصنيف المتفاوت حسب ذوق وآخر سيجعل الالتزام بهذه القوانين أكثر جدية وفاعلية في المجتمع. وينبغي ألا نغفل مساهمة التعليم والإعلام في التوعية بالسلوكيات الإيجابية وما تؤدي إليه مخالفة بعض منها، حتى تصل للعقوبات والتجريم. فالطالب في مدرسته حينما يتعلم تطبيق النظام عليه منذ صغره إذا ترك بعض المخلفات في مكان جلوسه أو إفطاره، وحينما يغرس لديه تطبيقيا احترام طوابير الانتظار، ومواقف ذوي الاحتياجات الخاصة، سيكون هذا التعلم والتعود سلوكا يمارسه طيلة حياته. وحينما تتوقف الوسائل الإعلامية بمختلف أنواعها عن بث ما يثير العنصرية- الدينية أو القبلية أو الرياضية-، وتتم معاقبة وإيقاف من يتسبب في إثارة العصبية والتطرف والعنصرية؛ سيصبح احترام الآخرين وحقوق اختلافهم سلوكا عاما في المجتمع يمقت مع الوقت الشذوذ عنه.

محتوى نظام حماية الذوق العام يعد فكرة مهمة وتستحق سرعة البت في تطبيقها بعدما تعاد صياغتها بما يحميها من المسميات العامة التي تؤدي لسوء فهم أو تدخلات فضفاضة من الأفراد أو المؤسسات المختلفة. وعلى المؤسسات التعليمية المبادرة لتبني مناشط أو مناهج تهتم بالآداب العامة والأخلاق والسلوك الإيجابي، حتى تصبح ممارستها عادة منذ الصغر لا يستنكرها لاحقا، فالذي نشأ على الخروج للشارع أمام العامة بملابس قذرة أو مبتذلة سوف يستنكر معاقبته الآن على هذا الملبس، والذي اعتاد في مجتمعه وأسرته على احتقار الآخرين لدينهم أو جنسهم أو أشكالهم، سيصعب عليه تفهم أن ما يقوم به جريمة ويجب أن يعاقب عليها.

إن التحضر –وهو الخط العريض الذي يقوم عليه هذا النظام المقترح- هو السبيل للتقدم والتنمية والتطور وتقبل التعددية التي ستؤدي للتعددية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وسيكون سبيلاً للنهضة وخلق مجتمع واع ذي سلوك إيجابي. ولنا في جمهورية سنغافورة مثالا واضحا، فقد استطاعت في وقت وجيز أن تتخذ لها موقعا متقدما في مصاف الدول الأولى رغم حداثة عمرها وتعدد الثقافات فيها، لكنها حققت نجاحا باهرا في الحفاظ على هويتها ورفع اقتصادها، وشيوع السلوك الإيجابي والمتحضر بين سكانها كنمط حياة معتاد بعدما فرض بقوة القانون وهيبته.